لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (32)

{ أهم يقسمون رحمة ربك } معناه أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعوها حيث شاؤوا وفيه الإنكار الدال على تجهيلهم والتعجب من اعتراضهم وتحكمهم وأن يكونوا هم المدبرين لأمر النبوة ثم ضرب لهذا مثلاً فقال تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } أي نحن أوقعنا هذا التفاوت بين العباد فجعلنا هذا غنياً وهذا فقيراً وهذا مالكاً وهذا مملوكاً وهذا قوياً وهذا ضعيفاً ثم إن أحداً من الخلق لم يقدر على تغيير حكمنا ولا على الخروج عن قضائنا فإذا عجزوا عن الاعتراض في حكمنا في أحوال الدنيا مع قلتها وذلتها فكيف يقدرون على الاعتراض على حكمنا في تخصيص بعض عبادنا بمنصب النبوة والرسالة والمعنى كما فضلنا بعضهم على بعض كما شئنا كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا ثم قال تعالى : { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً } يعني لو أننا سوينا بينهم في كل الأحوال لم يخدم أحد أحداً ولم يصر أحد منهم مسخراً لغيره ، وحينئذ يقضي ذلك إلى خراب العالم وفساد حال الدنيا ولكنا فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضاً فتسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش فهذا بماله وهذا بعمله فيلتئم قوام العالم وقيل يملك بعضهم بما له بعضاً بالملك { ورحمة ربك } يعني الجنة { خير } يعني للمؤمنين { مما يجمعون } أي يجمع الكفار من الأموال لأن الدنيا على شرف الزوال والانقراض وفضل الله ورحمته يبقى أبد الآبدين .