المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (32)

ثم وقف تعالى –على جهة التوبيخ لهم- بقوله : ( أهم يقسمون رحمة ربك ) ، المعنى : أعلى اختيارهم وإرادتهم تنقسم الفضائل والمكانة عند الله تعالى ؟ و " الرَّحمةُ " اسم يعُمُّ جميع هذا ، ثم أخبر تعالى خبرا جازما بأنه تعالى قاسم المعايش والدرجات في الدنيا ليسخر بعض الناس بعضا ، المعنى : فإذا كان اهتمامنا بهم أن نقسم هذا الحقير الفاني فالأحرى أن نقسم الأهمّ الخطير ، وفي قوله تعالى : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم ) تزهيد في السعايات ، وعون على التوكل على الله تعالى ، ولله درّ القائل :

لمّا أتى " نحن قسمنا بينهم " زار المِرا( {[10199]} )

وقرأ الجمهور : [ مَعِشَتَهُمْ ] ، وقرأ ابن مسعود ، والأعمش : [ مَعَايِشَهُمْ ] . وقرأ جمهور الناس : [ سُخْرِيّاً ] بضم السين ، وقرأ أبو رجاء ، وابن محيصن : [ سِخْرِيّاً ] بكسر السين ، وهما لغتان في معنى التسخير ، ولا مدخل لمعنى الهُزْءِ في هذه الآية .

وقوله تعالى : ( ورحمتُ ربّك خير مما يجمعون ) ، قال قتادة ، والسدي يعني الجنة .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

لاشك أن الجنة هي الغاية ، ورحمة الله تبارك وتعالى في الدنيا بالهداية والإيمان خير من كل مال ، وهذا اللفظ تحقير للدنيا ،


[10199]:- المِراءُ: الشك والريب، ويترتب عليهما الجدال.