الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (32)

ثم وَبَّخَهُم سبحانه بقوله : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتِ رَبِّكَ } و«الرحمة » اسم عامٌّ يشمل النُّبُوَّةَ وغيرها ، وفي قوله تعالى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } تزهيدٌ في السعايات ، وعون على التَّوَكُّلِ على اللَّه عز وجل ؛ وللَّه دَرُّ القائل :

كَمْ جَاهِلٍ يَمْلِكُ دُوراً وقرى *** وَعَالِمٍ يَسْكُنُ بَيْتاً بِالْكِرَا

لَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ سُبْحَانَه *** نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ زَالَ المِرَا

وروى ابن المبارك في «رقائقه » بسنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً أَرْضَاهُ بِمَا قَسَمَ لَهُ ، وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ ، وَإذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْراً ، لَمْ يُرْضِهِ بِمَا قَسَمَ لَهُ ، وَلَمْ يُبَارِكْ لَهُ فِيهِ " انتهى ، و{ سُخْرِيّاً } بمعنى التسخير ، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية .

وقوله تعالى : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } قال قتادة والسُّدِّيُّ : يعني الجنة ، قال ( ع ) : ولا شَكَّ أَنَّ الجنة هي الغاية ، ورحمة اللَّه في الدنيا بالهداية والإيمان خير من كُلِّ مال ، وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا ، وتزهيد فيها .