الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (32)

ثم قال تعالى : { أهم يقسمون رحمت ربك } ( أي : أهؤلاء القائلون هلا نزل القرآن على أحد{[61435]} رجلي القريتين يقسمون رحمة ربك{[61436]} ) يا محمد بين خلقه ، فيجعلون إكرامه لمن شاءوا ، وعند{[61437]} من أرادوا ، بل الله يقسم ذلك{[61438]} فيعطيه من أراد ، ويحرمه من شاء{[61439]} .

قال ابن عباس : لما بعث جل ذكره محمدا{[61440]} صلى الله عليه وسلم أنكرت العرب ذلك ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله / بشرا مثل محمد ، فأنزل الله جل ذكره : { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس }{[61441]} وقال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر }{[61442]} ، يعني : أهل الكتب الماضية فيخبرونكم أن الرسل التي كانت تأتي ، بشر مثلكم ، فلا يجب لكم أن تنكروا وإرسال مثل محمد إليكم ، إذ هو بشر مثلكم . وقال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى }{[61443]} أي ليسوا{[61444]} من أهل السماء كما قلتم قال{[61445]} : فلما كرر ( عليهم تعالى ){[61446]} الحجج ، قالوا : فإن كان بشرا{[61447]} فغير محمد أحق بالرسالة فلولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، أي : كل واحد منهما أشرف من محمد في المال والذكر ، يعنون : الوليد بن المغيرة المخزومي – وكان يسمى ريحانة قريش – من أهل مكة ، ومسعود بن عمرو بن عبيد الثقفي من أهل الطائف ، فقال الله : { أهم يقسمون رحمت ربك } ، أي : ربك يا محمد يفعل ما يشاء .

قال تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } ، أي : نحن نقسم الرحمة بين من شئنا من خلقنا فنجعل من شئنا نبيا ، ومن شئنا مؤمنا ، ومن شئنا كافرا ، كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون فيها{[61448]} في دنياهم ، فجعلنا بعضهم أرفع من بعض ، فوسعنا على بعض وضيقنا على بعض ، وجعلنا بعضهم ملوكا وبعضهم مملوكين .

{ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } أي : جعلنا بعضهم حرا وبعضهم مملوكا{[61449]} ، وبعضهم غنيا وبعضهم فقيرا ليستخدم بعضهم بعضا بأجره وقد كانوا بني آدم كلهم .

وقيل : إنها مخصومة في المماليك ، روى ذلك عن ابن عباس{[61450]} ، أي : فضل بعضهم على بعض فجعل بعضهم مالك{[61451]} وبعضهم مملوكا .

ثم قال تعالى : { ورحمت ربك خير مما يجمعون } يعني : الجنة خير مما يجمعون في دنياهم من الأموال .


[61435]:(ت): (حدى) و(ح): احدى.
[61436]:ساقط من (ح).
[61437]:(ح): (أو عند).
[61438]:فوق السطر في (ت).
[61439]:(ح): (يشاء).
[61440]:(ت): (محمد).
[61441]:يونس آية 2.
[61442]:النحل آية 43.
[61443]:يوسف آية 109.
[61444]:(ح): (ليس).
[61445]:في طرة (ت)، وساقط من (ح).
[61446]:(ح): (تعالى عليه).
[61447]:(ح): (بشر).
[61448]:في طرة (ت).
[61449]:(ت): (ملوكا).
[61450]:جاء في جامع البيان 25/41 أنه مروي عن الضحاك وقتادة. وانظر جامع القرطبي 16/83.
[61451]:(ت): مالكا.