يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل ، الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط ، الذي كانوا استعاروه منهم ، فشكل لهم منه عجلا ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل ، عليه السلام ، فصار عجلا جسدا له خوار ، و " الخوار " صوت البقر .
وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى [ عليه السلام ]{[12137]} لميقات ربه تعالى ، وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور ، حيث يقول تعالى إخبارا عن نفسه الكريمة : { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } [ طه : 85 ]
وقد اختلف المفسرون في هذا العجل : هل صار لحما ودما له خوار ؟ أو استمر على كونه من ذهب ، إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر ؟ على قولين ، والله أعلم . ويقال : إنهم لما صَوّت لهم العجل رَقَصُوا حوله وافتتنوا به ، { فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } [ طه : 88 ] فقال الله تعالى : { أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا } [ طه : 89 ]
وقال في هذه الآية الكريمة : { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا } ينكر تعالى عليهم في ضلالهم بالعجل ، وذُهُولهم عن خالق السماوات والأرض وربّ كل شيء ومليكه ، أن عبدوا{[12138]} معه عجلا جسدًا له خُوَار لا يكلمهم ، ولا يرشدهم إلى خير . ولكن غَطَّى على أعيُن بصائرهم{[12139]} عَمَى الجهل والضلال ، كما تقدم من رواية الإمام أحمد وأبو داود ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حبك الشيء يُعْمي ويُصِم " {[12140]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتّخَذَ قَوْمُ مُوسَىَ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : واتخذ بنو إسرائيل قوم موسى من بعد ما فارقهم موسى ماضيا إلى ربه لمناجاته ووفاء للوعد الذي كان ربه وعده من حليهم عجلاً ، وهو ولد البقرة ، فعبدوه . ثم بين تعالى ذكره ما ذلك العجل فقال : جَسَدا لَهُ خُوَارٌ والخوار : صوت البقر . يخبر جلّ ذكره عنهم أنهم ضلوا بما لا يضلّ بمثله أهل العقل ، وذلك أن الربّ جلّ جلاله الذي له ملك السموات والأرض ومدبّر ذلك ، لا يجوز أن يكون جسدا له خوار ، لا يكلم أحدا ولا يرشد إلى خير . وقال هؤلاء الذين قصّ الله قصصهم لذلك هذا إلهنا وإله موسى ، فعكفوا عليه يعبدونه جهلاً منهم وذهابا عن الله وضلالاً . وقد بيّنا سبب عبادتهم إياه وكيف كان اتخاذ من اتخذ منهم العجل فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
وفي الحُليّ لغتان : ضمّ الحاء وهو الأصل ، وكسرها ، وكذلك ذلك في كلّ ما شاكله من مثل صليّ وجثيّ وعتيّ . وبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، لاستفاضة القراءة بهما في القرأة ، لا تفارق بين معنييهما .
وقوله : ألَمْ يَرَوْا أنّهُ لا يُكَلّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً يقول : ألم ير الذين عكفوا على العجل الذي اتخذوه من حليهم يعبدونه أن العجل لا يُكَلّمُهُمْ ولا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً يقول : ولا يرشدهم إلى طريق . وليس ذلك من صفة ربهم الذي له العبادة حقا ، بل صفته أنه يكلم أنبياءه ورسله ، ويرشد خلقه إلى سبيل الخير وينهاهم عن سبيل المهالك والردى . يقول الله جلّ ثناؤه : اتّخَذُوهُ : أي اتخذوا العجل إلها . وكانُوا باتخاذهم إياه ربا معبودا ظالِمِينَ لأنفسهم ، لعبادتهم غير من له العبادة ، وإضافتهم الألوهة إلى غير الذي له الألوهة . وقد بيّنا معنى الظلم فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.