تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

يقول تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ } أي : خُزَّانها ، { إِلا مَلائِكَةً } أي : [ زبانية ]{[29504]} غلاظا شدادا . وذلك رد على مشركي قريش حين ذكر عدد الخزنة ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش ، أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم{[29505]} ؟ فقال الله : { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً } أي : شديدي الخَلْق لا يقاومون ولا يغالبون . وقد قيل : إن أبا الأشدين - واسمه : كَلَدَة بن أسيد بن خلف - قال : يا معشر قريش ، اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر ، إعجابا منه بنفسه ، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينتزعوه من تحت قدميه ، فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه . قال السهيلي : وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصارعته وقال : إن صرعتني آمنت بك ، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ، فلم يؤمن . قال : وقد نَسَب ابنُ إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب{[29506]} .

قلت : ولا منافاة بين ما ذكراه ، والله أعلم .

{ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي : إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعةَ عشرَ اختبارًا منَّا للناس ، { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } أي : يعلمون أن هذا الرسول حق ؛ فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله .

{ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } أي : إلى إيمانهم . بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي : من المنافقين { وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } ؟ أي : يقولون : ما الحكمة في ذكر هذا هاهنا ؟ قال الله تعالى : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } أي : من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام ، ويتزلزل عند آخرين ، وله الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة .

وقوله : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ } أي : ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى ، لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط ، كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة ومن الفلاسفة اليونانيين . ومن تابعهم{[29507]} من الملتين الذين سمعوا هذه الآية ، فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة والنفوس التسعة ، التي اخترعوا دعواها وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها ، فأفهموا{[29508]} صدر هذه الآية وقد كفروا بآخرها ، وهو قوله : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ }

وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة : " فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه آخر ما عليهم " {[29509]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن مورق ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء وحُقَّ لها أن تَئط ، ما فيها موضع أصابع إلا عليه ملك ساجد ، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا ، ولا تَلَذّذتم بالنساء على{[29510]} الفُرُشات ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل " . فقال أبو ذر : والله لوددتُ أني شجرة تُعضد .

ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث إسرائيل{[29511]} وقال الترمذي : حسن غريب ، ويروى عن أبي ذر موقوفًا .

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا خير{[29512]} بن عرفة المصري ، حدثنا عُرْوَة بن مروان الرقي ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم بن مالك ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم ، أو ملك ساجد ، أو ملك راكع ، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا : سبحانك ! ما عبدناك حَقَّ عبادتك ، إلا أنا لم نشرك بك شيئًا " . {[29513]} .

وقال محمد بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة " : حدثنا عمرو بن زرارة ، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن صفوان بن مُحْرِز ، عن حكيم بن حزام قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إذ قال لهم : " هل تسمعون ما أسمع ؟ " قالوا : ما نسمع من شيء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسمع أطيط السماء وما تلام أن تَئطّ ، ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك راكع أو ساجد " {[29514]} .

وقال أيضا : حدثنا محمد بن عبد الله بن قهزاذ{[29515]} حدثنا أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي ، حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي ، سمعت الضحاك بن مزاحم ، يحدث عن مسروق بن الأجدع ، عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ، وذلك قول الملائكة : { وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } [ الصاقات : 164 - 166 ] . {[29516]} .

وهذا مرفوع{[29517]} غريب جدا ثم رواه{[29518]} عن محمود بن آدم ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي الضُّحى ، عن مسروق ، عن ابن مسعود أنه قال : إن من السماوات سماءً ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه قائما ، ثم قرأ : { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ }{[29519]} .

ثم قال : حدثنا أحمد بن سيار : حدثنا أبو جعفر محمد بن خالد الدمشقي المعروف بابن أمه ، حدثنا المغيرة بن عثمان{[29520]} بن عطية من بني عمرو بن عوف ، حدثني سليمان بن أيوب [ من بني ]{[29521]} سالم بن عوف . حدثني عطاء بن زيد بن مسعود من بني الحبلي ، حدثني سليمان بن عمرو بن الربيع ، من بني سالم ، حدثني عبد الرحمن بن العلاء ، من بني ساعدة ، عن أبيه العلاء بن سعد - وقد شهد الفتح وما بعده - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لجلسائه : " هل تسمعون ما أسمع ؟ " قالوا : وما تسمع يا رسول الله ؟ قال : " أطَّتِ السماء وحقّ لها أن تَئط ، إنه ليس فيها موضع قَدَم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد ، وقالَ الملائكة : { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } {[29522]} وهذا إسناد غريب جدا .

ثم قال : حدثنا [ محمد بن يحيى ، حدثنا ]{[29523]} إسحاق بن محمد بن إسماعيل الفَروي ، حدثنا عبد الملك بن قدامة ، عن عبد الرحمن عن عبد الله بن ديناره ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر : أن عمر جاء والصلاة قائمة ، ونفر ثلاثة جلوس ، أحدهم أبو جحش الليثي ، فقال : قوموا فصلوا مع رسول الله . فقام اثنان وأبى أبو جحش أن يقوم ، وقال : لا أقوم حتى يأتي رجل هو أقوى مني ذراعين ، وأشد مني بطشًا فيصرعني ، ثم يَدس وجهي في التراب . قال عمر : فصرعته ودسست وجهه في التراب ، فأتى عثمان بن عفان فحجزني عنه ، فخرج عمر مغضبا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما رَأيَكَ يا أبا حفص ؟ " . فذكر له ما كان منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن رضى عمر رحمةٌ ، والله لوددْتُ أنك جئتني برأس الخبيث " ، فقام عمر يُوجّهُ نحوه ، فلما أبعد ناداه فقال : " اجلس حتى أخبرك بغنى الرب عز وجل عن صلاة أبي جحش ، إن لله في السماء الدنيا ملائكة خشوعًا{[29524]} لا يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة . فإذا قامت رفعوا رءوسهم ثم قالوا : ربنا ، ما عبدناك حق عبادتك ، وإن لله في السماء الثانية ملائكة سجودًا لا يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة رفعوا رءوسهم ، وقالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك " فقال له عمر : وما يقولون يا رسول الله ؟ فقال : " أما أهل السماء الدنيا فيقولون : سبحان ذي الملك والملكوت . وأما أهل السماء الثانية فيقولون : سبحان ذي العزة والجبروت . وأما أهل السماء الثالثة فيقولون : سبحان الحي الذي لا يموت . فقلها يا عمر في صلاتك " . فقال عمر : يا رسول الله ، فكيف بالذي كنت علمتني وأمرتني أن أقوله في صلاتي ؟ فقال : " قل هذا مرة وهذا مرة " . وكان الذي أمره به أن يقول : " أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برضاك من سخَطك ، وأعوذ بك منك ، جل وجهك " {[29525]} وهذا حديث غريب جدا ، بل منكر نكارة شديدة ، وإسحاق الفروي روى عنه البخاري ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي والدارقطني . وقال أبو حاتم الرازي : كان صدوقا إلا أنه ذهب بصره فرُبما لقن ، وكتبه صحيحة . وقال مرة : هو مضطرب ، وشيخه عبد الملك بن قدامة أبو قتادة الجمحي : تكلم فيه أيضا . والعجب من الإمام محمد بن نصر كيف رواه ولم يتكلم عليه ، ولا عَرَّف بحاله ، ولا تعرض لضعف بعض رجاله ؟ ! غير أنه رواه من وجه آخر عن سعيد بن جبير مرسلا بنحوه . ومن طريق أخرى عن الحسن البصري مرسلا قريبًا منه ، ثم قال محمد بن نصر :

حدثنا محمد بن عبد الله بن قهزاذ ، أخبرنا النضر ، أخبرنا عباد بن منصور قال : سمعت عدي بن أرطاة وهو يخطبنا على منبر المدائن قال : سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله تعالى ملائكة تُرعَد فرائصهم من خيفته ، ما منهم ملك تقطر منه دمعة من عينه إلا وقعت على ملك يصلي ، وإن منهم ملائكة سجودًا منذ خلق الله السماوات والأرض لم يرفعوا رءوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة ، وإن منهم ملائكة ركوعًا لم يرفعوا رءوسهم منذ خلق الله السماوات والأرض ولا يرفعونها إلى يوم القيامة ، فإذا رفعوا رءوسهم نظروا إلى وجه الله عز وجل ، قالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك " {[29526]} .

وهذا إسناد لا بأس به .

وقوله : { وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } قال مجاهد وغير واحد : { وَمَا هِيَ } أي : النار التي وصفت ، { إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }


[29504]:- (3) زيادة من م.
[29505]:- (4) في أ: "فتغلبوهم".
[29506]:- (5) الروض الأنف للسهيلي (1/200).
[29507]:- (1) في م: "ومن شايعهم".
[29508]:- (2) في أ: "فما فهموا".
[29509]:- (3) هذا جزء من حديث أنس الطويل في الإسراء، وهو في صحيح البخاري برقم (7517)، وصحيح مسلم برقم (162). وهذا القدر قد وقع لمسلم من هذا الوجه، وانظر أحاديث الإسراء عند تفسير أول سورة الإسراء.
[29510]:- (4) في أ: "في".
[29511]:- (5) المسند (5/173)، وسنن الترمذي برقم (2312)، وسنن ابن ماجة برقم (4190).
[29512]:- (6) في م: "حدثنا حسين".
[29513]:- (7) المعجم الكبير (2/184)، وقال الهيثمي في المجمع (1/52): "وفيه عروة بن مروان". قلت: قال الدارقطني: ليس بالقوى.
[29514]:- (1) تعظيم قدر الصلاة للمروزي برقم (248).
[29515]:- (2) في م: "مهزاذ".
[29516]:- (3) تعظيم قدر الصلاة برقم (253).
[29517]:- (4) في أ: "وهذا مرفوعا" وهو خطأ.
[29518]:- (5) في م: "ثم رواه".
[29519]:- (6) تعظيم قدر الصلاة برقم (254).
[29520]:- (7) في هـ: "عمر".
[29521]:- (8) زيادة من م.
[29522]:- (9) تعظيم قدر الصلاة برقم (255).
[29523]:- (10) زيادة من تعظيم قدر الصلاة (256).
[29524]:- (1) في م، أ: "خشوع".
[29525]:- (2) تعظيم قدر الصلاة برقم (256)، ورواه الحاكم في المستدرك (3/87) من طريق إسحاق الفروي به، وقال: "حديث صحيح الإسناد على شريط البخاري ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي. قلت: "منكر غريب، وما هو على شرط البخاري، وفيه عبد الملك بن قدامة الجحمي ضعيف، تفرد به".
[29526]:- (3) تعظيم قدر الصلاة برقم (260).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

وقوله : وَما جَعَلْنا أصحَابَ النّارِ إلاّ مَلائِكَةً يقول تعالى ذكره : وما جعلنا خزَنة النار إلا ملائكة . يقول لأبي جهل في قوله لقريش : أما يستطيع كلّ عشرة منكم أن تغلب منها واحدا ؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن زيد ، في قوله : وَما جَعَلْنا أصحَابَ النّارِ إلاّ مَلائِكَةً قال : ما جعلناهم رجالاً ، فيأخذ كلّ رجل رجلاً كما قال هذا .

وقوله : وَما جَعَلْنا عِدّتَهُمْ إلاّ فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا يقول : وما جعلنا عدّة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مُشركي قريش . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما جَعَلْنا عِدّتَهُمْ إلاّ فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا : إلا بلاء .

وإنما جعل الله الخبر عن عدّة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا ، لتكذيبهم بذلك ، وقول بعضهم لأصحابه : أنا أكفيكموهم . ذكر الخبر عمن قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : تِسْعَةَ عَشَرَ قال : جعلوا فتنة ، قال أبو الأشدّ بن الجمحي : لا يبلغون رتوتي حتى أجهضهم عن جهنم .

وقوله : لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يقول تعالى ذكره : ليستيقن أهل التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدّة خزَنة جهنم ، إذ وافق ذلك ما أنزل الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وسلم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إيمَانا قال : وإنها في التوراة والإنجيل تسعة عشرة ، فأراد الله أن يستيقن أهل الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال : يجدونه مكتوبا عندهم عدّة خزَنة أهل النار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يصدّق القرآن الكتب التي كانت قبله فيها كلها ، التوراة والإنجيل أن خزنة النار تسعة عشر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال : ليستيقن أهل الكتاب حين وافق عدّة خزنة النار ما في كتبهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال : عدّة خزنة جهنم تسعة عشر في التوراة والإنجيل .

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ أنك رسول الله .

وقوله : وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إيمَانا يقول تعالى ذكره : وليزداد الذين آمنوا بالله تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله بتصديقهم بعدّة خزنة جهنم .

وقوله : وَلا يَرْتابَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالمُؤْمِنُونَ يقول : ولا يشكّ أهل التوراة والإنجيل في حقيقة ذلك والمؤمنون بالله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : وَليَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ يقول تعالى ذكره : وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق ، والكافرون بالله من مشركي قريش ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلاً ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ : أي نفاق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلاً يقول : حتى يخوّفنا بهؤلاء التسعة عشر .

وقوله : كَذَلكَ يُضِلّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ يقول تعالى ذكره : كما أضل الله هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين في خبر الله عن عدّة خزنة جهنم : أيّ شيء أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوّفنا بذكر عدتهم ، ويهتدي به المؤمنون ، فازدادوا بتصديقهم إلى إيمانهم إيمانا كَذلكَ يُضِل اللّهُ مَنْ يَشاءُ مِنْ خَلْقِهِ فيخذله عن إصابة الحقّ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ منهم ، فيوفقه لإصابة الصواب وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ من كثرتهم إلاّ هُوَ : يعني الله ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إلاّ هُوَ أي من كثرتهم .

وقوله : وَما هِيَ إلاّ ذِكْرَى للْبَشَرِ يقول تعالى ذكره : وما النار التي وصفتها إلا تذكرة ذكر بها البشر ، وهم بنو آدم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما هِيَ إلاّ ذِكْرَى للْبَشَر يعني النار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَما هِيَ إلاّ ذِكْرَى للْبَشَر قال : النار .