تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِيمٗا تَذۡرُوهُ ٱلرِّيَٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا} (45)

يقول تعالى : { وَاضْرِبْ } يا محمد للناس { مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } في زوالها وفنائها وانقضائها { كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ } أي : ما فيها من الحَبّ ، فشب وحسن ، وعلاه{[18198]} الزهر والنور والنضرة ثم بعد هذا كله { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا } يابسا { تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } أي : تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال{[18199]} { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } أي : هو قادر على هذه الحال ، وهذه الحال{[18200]} وكثيرًا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل كما في سورة يونس : { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ } الآية [ يونس : 24 ] ، وقال في سورة الزمر : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ } [ الزمر : 21 ] ، وقال في سورة الحديد : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [ الحديد : 20 ] .

وفي الحديث الصحيح : " الدنيا حلوة خضرة " {[18201]}


[18198]:في ت: "وعلا".
[18199]:في ت: "ذات يمين وذات شمال".
[18200]:في ت: "هذه الحالة وهذه الحالة".
[18201]:سبق تخريجه عند تفسير الآية الثامنة من هذه السورة.