فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِيمٗا تَذۡرُوهُ ٱلرِّيَٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا} (45)

ثم ضرب سبحانه مثلاً آخر لجبابرة قريش فقال : { واضرب لَهُم مَثَلَ الحياة الدنيا } أي : اذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يركنوا إليها ، وقد تقدّم هذا المثل في سورة يونس ، ثم بيّن سبحانه هذا المثل فقال : { كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء } ويجوز أن يكون هذا هو المفعول الثاني { لقوله } اضرب على جعله بمعنى : صير { فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض } أي : اختلط بالماء نبات الأرض حتى استوى ؛ وقيل : المعنى إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء ، لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر ، فتكون الباء في { به } سببية { فَأَصْبَحَ } النبات { هَشِيمًا } الهشيم : الكسير ، وهو من النبات ما تكسر بسبب انقطاع الماء عنه وتفتت ، ورجل هشيم : ضعيف البدن ، وتهشم عليه فلان : إذا تعطف . واهتشم ما في ضرع الناقة إذا احتلبه ، وهشم الثريد كسره وثرده ، ومنه قول ابن الزبعري :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مسنتون عجاف

{ تَذْرُوهُ الرياح } تفرقه . قال أبو عبيدة وابن قتيبة : تذروه : تنسفه . وقال ابن كيسان : تذهب به وتجيء ، والمعنى متقارب . وقرأ طلحة بن مصرّف ( تذريه الريح ) قال الكسائي : وفي قراءة عبد الله ( تذريه ) يقال : ذرته الريح تذروه ، وأذرته تذريه . وحكى الفراء : أذريت الرجل عن فرسه أي : قلبته { وَكَانَ الله على كُلّ شَيء مُقْتَدِرًا } أي : على كل شيء من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء .