فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِيمٗا تَذۡرُوهُ ٱلرِّيَٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا} (45)

ثم ضرب الله سبحانه مثلا آخر لجبابرة قريش فقال : { واضرب } أي اذكر وقرر { لهم } أي لقومك { مثل الحياة الدنيا } أي ما يشبه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يركنوا إليها وقد تقدم هذا المثل في سورة يونس . ثم بينه سبحانه هذا المثل فقال { كماء } أي كصفة وحال وهيئة ماء ، فالمشبه هيئة الدنيا بهيئة ماء .

{ أنزلناه من السماء فاختلط } أي تكاثف وغلظ { به } أي بسبب نزول الماء { نبات الأرض } حتى استوى والتف بعضه على بعض أو امتزج الماء بالنبات فروى وحسن .

وعلى هذا كان حق التركيب أن يقال فاختلط بنبات الأرض ، لكن لما كان له من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته .

{ فأصبح } أي صار النبات عن قريب { هشيما } يابسا والهشيم الكسير واحده هشيمة وهو اليابس وهو من النبات ما تكسر بسبب انقطاع الماء عنه وتفتت ، ورجل هشيم ضعيف البدن وتهشم عليه فلان إذا تعطف ، واهتشم ما في ضرع الناقة إذا احتلبه ، وهشم الثريد كسره وثرده . قال ابن قتيبة : كل ما كان رطبا فيبس فهو هشيم .

{ تذروه } تفرقه وتنثره ، قال أبو عبيدة وابن قتيبة : تذروه تنسفه { الرياح } قال ابن كيسان : أي تذهب به وتجيء والمعنى متقارب ، وقرئ تذريه ، يقال ذرته الريح تذروه وأذرته تذريه . وحكى الفراء :أذريت الرجل عن فرسه أي قلبته { وكان الله على كل شيء } من الأشياء { مقتدرا } أي كامل القدرة يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء .