التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِيمٗا تَذۡرُوهُ ٱلرِّيَٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا} (45)

قوله تعالى : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ( 45 ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ( 46 ) } .

هذا مثل كاشف يضربه الله للناس فيصف فيه حقيقة الدنيا في سرعة زوالها وانقضائها وأنها حطام دائر ما يلبث أن يفنى ويتبدد ليكون بعد ذلك أثرا بعد عين .

مثل يضربه الله للناس وفيهم المغرورون والغافلون والتائهون السادرون في الضلال والتفريط والغفلة ، الغائرون في الشهوات والملذات بكل صورها وضروبها .

والحياة برمتها- في الحقيقة- أشبه بماء المطر النازل من السماء إلى الأرض ليختلط به نباتها المختلف . فينمو ويزهو ويستوي على سوقه ويكون في غاية النضارة والحسْن ، ثم يأخذ بعد ذلك في الذبول والانحناء والتكسر ويأتي عليه الجفاف واليُبس ليصبح بعد ذلك ( هشيما تذروه الرياح ) من الهشم وهو كسر الشيء اليابس . والهشيم معناه النبات اليابس المتكسر ، والشجرة البالية يأخذها الحاطب كيف يشاء{[2825]} .

قوله : ( تذروه الرياح ) أي تسفّه وتفرقه ليتطاير في الفضاء وفي أجواء السماء ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) الله قادر على كل شيء . سواء في ذلك إنشاء الخلق أو إفناؤه أو أحياؤه من جديد .

هذه هي الدنيا حقيقتها ؛ فإنما هي مركبات من الأموال والأهواء والملذات والزخرف . أو هي أصناف مختلفة من الزينة والشهوات والتفاخر بالوجاهات والأموال وغير ذلك من المستلذات مما تشتهيه نفوس البشر . ثم قال ذلك كله إلى الفناء والزوال . وهكذا الإنسان يكون لا هيا سادرا في الشهوات والمستلذات وهو يمتد به العمر ليدنو به رويدا رويدا من الهرم وخرف الكبر . فما يلبث بعد ذلك أن يصير إلى الموت المحتوم . وحينئذ تفنى الأهواء والشهوات وتنقضي الحياة برمتها ، ليحين بعد ذلك وقت الحساب والمساءلات بدءا بالقبر حيث الظلمة وهول العذاب فيه ، ومرورا بالحشر وما فيه من فظائع الزحام والعطاش والذعر والكرب الشديد ، وانتهاء بالحساب الفاصل ، فإما إلى النجاة والجنة ، وإما إلى الهوان والنار .


[2825]:- القاموس المحيط جـ4 ص 192.