ولما تمّ المثل لدنياهم الخاصة بهم التي أنظرتهم فكانت سبباً لشقاوتهم وهم يحسبون أنها عين إسعادهم ضرب لدار الدنيا العامّة لجميع الناس في قلة ثوابها وسرعة فنائها وأنّ من تكبر كان أخس منها فقال : { واضرب } ، أي : صير { لهم } ، أي : لهؤلاء الكفار المغترّين بالعرض الفاني المفتخرين بكثرة ذكر الأموال والأولاد وعزة النفر . وقوله تعالى : { مثل الحياة الدنيا } مفعول أوّل ثم ذكر المثل بقوله تعالى : { كماء } وهو المفعول الثاني { أنزلناه } بعظمتنا وقدرتنا وقال تعالى : { من السماء } تنبيهاً على بليغ القدرة في إمساكه في العلو وإنزاله في وقت الحاجة { فاختلط } ، أي : فتعقب وتسبب عن إنزاله أنه اختلط { به نبات الأرض } ، أي : التف بسببه حتى خالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه كما قال تعالى : { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } [ الحج ، 5 ] . وقيل : اختلط ذلك الماء بالنبات حتى روى واهتز ونما وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض لكن لما كان كل من المختلطين موصوفاً بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته ثم إذا انقطع ذلك بالمطر مدّة جف ذلك النبات { فأصبح هشيماً }أي يابساً متفرّقة أجزاؤه { تذروه } ، أي : تنثره وتفرّقه { الرياح } فتذهب به والمعنى أنه تعالى شبه الدنيا بنبات حسن فيبس فتكسر ففرّقته الرياح حتى يصير عما قليل كأنه بقدرة الله تعالى لم يكن وقرأ حمزة والكسائي بالتوحيد والباقون بالجمع { وكان الله } ، أي : المختص بصفات الكمال { على كل شيء } من دون ذلك وغيره إنشاءً وإفناءً وإعادةً . { مقتدراً } أزلاً وأبداً بتكوينه أوّلا وتنميته وسطاً وإبطاله آخراً فأحوال الدنيا أيضاً كذلك تظهر أوّلاً في غاية الحسن والنضارة ثم تتزايد قليلاً قليلاً ثم تأخذ في الانحطاط إلى أن ينتهي إلى الهلاك والفناء ومثل هذا الشيء ليس للعاقل أن يبتهج به .
تنبيه : قوله تعالى : { فأصبح } يجوز أن يكون على بابه فإنّ أكثر ما يطرق من الآفات صباحاً كقوله تعالى : { فأصبح يقلب كفيه } [ الكهف ، 42 ] ويجوز أن يكون بمعنى صار من غير تقييد كقول القائل :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.