الآية45 : وقوله تعالى : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء } اختلف أهل التأويل في ضرب هذا المثل .
قال بعضهم : ضرب هذا لمشركي العرب لأنهم ينكرون فناء الدنيا وهلاكها لأنها لا تبيد أدبا ، فيقول : إن الذي يعاينون من ( فنائها ما ){[11618]} ذكر من النبات وغيره ، وهلاكه هو جزء منها . فإذا احتمل جزء منها الفناء والهلاك فعلى ذلك الكل .
وقال بعضهم : وَجْهُ ضَرْبِ هذا المثل هو{[11619]} أهل الدنيا وطلابها إذا ظفروا بالدنيا وطمعوا بالانتفاع بها والاستمتاع بها كما طمع الزُّرَّاعُ بالظفر بذلك الزرع والوصول إلى الانتفاع بالزرع والوصول إلى مقصودهم . فعلى ذلك الدنيا يحال بين أهلها وطالبيها وبينها .
وقال بعضهم : وجه ضرب مثل الدنيا بما ذكر من النبات للتزيين والتحسين لأهلها كالنبات الذي ذكر أنه يعجب{[11620]} أهلها ، ويتزين لهم ثم يفسد ، ويصير مَؤُوفاً . فعلى ذلك الدنيا ، وهو ما ذكر في آية أخرى { كمثل غيث أعجب الكفار نباته } الآية ( الحديد : 20 ) هكذا ، وما فيها ، كله مشوب بالآفات والفساد .
وفي هذا المثل وجوه من الحكمة والدلالة :
أحدها : العظمة والاعتبار للمتفكرين والمعتبرين ، والحجة على المعاندين والمكابرين في إنكارهم إحداث العالم ومحدثها وإنكارهم فناء العالم وإنكارهم البعث . أما إحداث العالم لما عاينوا حدوث أشياء منه واحدا بعد واحد . فعلى ذلك الكل . وأراهم أيضا فناء أشياء منها حتى لم يبق لها أثر . ثم حدث مثلها . فإذا ظهر هذا في بعض منها فكذلك الكل .
فإذا ظهر حدوثه و فناؤه لا بد من قاصد يحدثها .
والثاني{[11621]} : دلالة البعث بما أراهم تجدد وإحداث{[11622]} هذه الأنزال والأشجار والنبات وغيرها والعود على ما كان بعد فنائها . فعلى ذلك إعادة العالم الذي هو المقصود في إنشاء تلك الأشياء . وذلك أولى بالإعادة من غيرهم من الأشياء ؛ إذ هم المقصودون في خلق غيرهم من الأشياء .
وبعد فإنهم قد اتفقوا على أن خلق الشيء و فناءه للهلاك خاصة من غير مقصود وعاقبة عبث ، ليس بحكمة . فلو لم يكون بعث ولا إعادة يكن في خلقه إياهم حكمة لأنه يحصل خلقه للفناء والهلاك خاصة .
والثالث{[11623]} : في قوله { كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض } دلالة علمه وتدبيره وقدرته لأنه أخبر أنه ينزل من السماء ما يختلط به نبات الأرض . والماء من طبعه إفساد النبات إذا اختلط به . فإذا لم يفسده{[11624]} أحياه الاختلاط . دل أن في الماء معنى ، به يحيا النبات ، لا يعلم ذلك غيره . دل أنه عالم بذاته .
والتدبير هو ما جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض مع بعد ما بينهما . دل أن ذلك بواحد عليم مدَبر قادر بذاته ، وأن من قدر على ما ذكر من الإحداث والإفناء قادر على الإعادة والبعث ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فأصبح هشيما } قيل : كسيرا مكسورا { تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا } هو مُفْتَعِلُ من اقْتَدَرَ{[11625]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.