قوله عزّ وجلّ : { إنّ الذين كفروا } يعني بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { ويصدّون عن سبيل الله } أي بالمنع من الهجرة والجهاد والإسلام { والمسجد الحرام } يعني ويصدون عن المسجد الحرام { الذي جعلناه للناس } أي قبلة لصلاتهم ومنسكاً متعبداً { سواء العاكف } أي المقيم { فيه } قال بعضهم ويدخل فيه الغريب إذا جاور وأقام به ولزم التعبد فيه { والباد } أي الطارئ المنتاب إليه من غيره واختلفوا في معنى الآية فقيل سواء العاكف فيه والبادي في تعظيم حرامته وقضاء النسك به . وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة قالوا : والمراد منه نفس المسجد الحرام ومعنى التسوية هو التسوية في تعظيم الكعبة وفي فضل الصلاة فيه والطواف به . وعن جبير بن مطعم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلّى أية ساعة شاء من ليل أو نهار » أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي . وقيل : المراد منه جميع الحرم ومعنى التسوية أنّ المقيم والبادي سواء في النزول به ليس أحدهما أحق بالمنزل من الآخر غير أنه لا يزعج أحد أحداً إذ كان قد سبق إلى منزله وقول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد قالوا : هما سواء في البيوت والمنازل قال عبد الرحمن بن سابط : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحق منهم وكان عمر بن الخطاب ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم فعلى هذا القول لا يجوز بيع دور مكة وإجارتها قالوا : إنّ أرض مكة لا تملك لأنها لو ملكت لم يستو العاكف فيها والبادي فلما استويا ثبت أن سبيلها سبيل المساجد وإليه ذهب أبو حنيفة . قالوا : والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم وعلى القول الأول الأقرب إلى الصواب أنه يجوز بيه دور مكة وإجارتها وهو قول طاوس وعمرو بن دينار . وإليه ذهب الشافعي احتج الشافعي في ذلك قوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } . أضاف الديار إلى مالكيها وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : « من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن » فنسب الديار إليهم نسبة ملك واشترى عمر بن الخطاب دار السجن بأربعة آلاف درهم فدلت هذه النصوص على جواز بيعها وقوله تعالى { ومن يرد فيه } أي في المسجد الحرام { بإلحاد بظلم } أي يميل إلى الظلم قيل الإلحاد فيه هو الشرك وعبادة غير الله . وقيل : هو كل شيء كان منهياً عنه من قول أو فعل حتى شتم الخادم . وقيل هو دخول الحرم بغير إحرام أو ارتكاب شيء من محظورات الحرم من قتل صيد وقطع شجر . وقال ابن عباس : هو أن تقتل فيه من لا يقتلك أو تظلم فيه من لا يظلمك . وقال مجاهد : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات وقيل : احتكار الطعام بمكة بدليل ما روى يعلى بن أمية أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه » . أخرجه أبو داود وقال عبد الله بن مسعود في قوله ومن يرد فيه بإلحاد بظلم { نذقه من عذاب أليم } قال لو أنّ رجلاً همّ بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها ولو أنّ رجلاً همّ بقتل رجل بمكة وهو بعدن أبين أو ببلد آخر أذاقه الله من عذاب أليم . قال السدي : إلاّ أن يتوب . وروي عن عبد الله بن عمرو أنّه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل فسئل عن ذلك فقال كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله وبلى والله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.