لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ} (4)

قوله تعالى : { وكم من قرية أهلكناها } لما أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنذار والإبلاغ ، وأمر أمته باتباع ما أنزله إليهم حذرهم نقمته وبأسه إن لم يتبعوا ما أمروا به فذكر في هذه الآية ما في ترك المتابعة والإعراض عن أمره من الوعيد فقال تعالى : { وكم من قرية أهلكناها } ، قيل : فيه حذف تقديره وكم من أهل قرية لأن المقصود بالإهلاك أهل القرية لا القرية ، وقيل : ليس فيه حذف لأن إهلاك القرية إهلاك لأهلها { فجاءها بأسنا } يعني عذابنا .

فإن قلت مجيء البأس وهو العذاب إنما يكون قبل الإهلاك فكيف قال أهلكناها فجاءها بأسنا ؟

قلت : معناه وكم من قرية حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا . وقال الفراء : الهلاك والبأس قد يقعان معاً كما يقال أعطيتني فأحسنت إليّ فلم يكن الإحسان قبل الإعطاء ولا بعده وإنما وقعا معاً . وقال غيره : لا فرق بين قولك أعطيتني فأحسنت إليّ أو أحسنت إليّ فأعطيتني فيكون أحدهما بدلاً من الآخر { بياتاً } يعني فجاءها عذابنا ليلاً قبل أن يصبحوا { أو هم قائلون } من القيلولة وهي نوم نصف النهار أو استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم والمعنى فجاءها بأسنا غفلة وهم غير متوقعين له ليلاً وهم نائمون أو نهاراً وهم قائلون وقت الظهيرة وكل ذلك وقت الغفلة . ومقصود الآية أنه جاءهم العذاب على حين غفلة منهم من غير تقدم أمارة تدلهم على وقت نزول العذاب وفيه وعيد وتخويف للكفار كأنه قيل لهم لا تغتروا بأسباب الأمن والراحة فإن عذاب الله إذا نزل نزل دفعة واحدة .