قوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } يعني ولا تفسدوا أيها الناس في الأرض بالمعاصي والكفر والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل وبيان الشرائع والدعاء إلى طاعة الله تعالى ، وهذا معنى قول الحسن والسدي والضحاك والكلبي . قال ابن عطية : لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بسبب معاصيكم فعلى هذا يكون معنى قوله بعد إصلاحها يعني بعد إصلاح الله إياها بالمطر والخصب . وقيل معنى الآية : ولا تفسدوا في الأرض شيئاً بعد أن أصلحه الله تعالى فيدخل فيه المنع من إتلاف النفس بالقتل أو إفسادها بقطع بعض الأعضاء وإفساد الأموال بالغصب والسرقة وأخذه من الغير بوجوه الحيل وإفساد الأديان بالكفر واعتقاد البدع والأهواء المضلة وإفساد الأنساب بالإقدام على الزنا وإفساد العقول بسبب شرب المسكر وذلك لأن المصالح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة فمنع الله من إدخال الفساد في ماهيتها .
وقوله تعالى : { وادعوه خوفاً وطمعاً } أصل الخوف انزعاج في الباطن لما لا يؤمن من المضار وقيل هو توقع مكروه يحصل فيما بعد والطمع توقع محبوب يحصل له والمعنى وادعوه خوفاً منه ومن عقابه وطمعاً فيما عنده من جزيل ثوابه . وقال ابن جريج : العدل معناه خوف والطمع الفضل . وقيل معناه ادعوه خوفاً من الرياء في الذكر والدعاء طمعاً في الإجابة .
فإن قلت قال في أول الآية ادعوا ربكم تضرعاً وخفية وقال هنا وادعوه وهذا هو عطف الشيء على نفسه فما فائدة ذلك ؟ قلت : الفائدة فيه أن المراد بقوله تعالى ادعوا ربكم أي ليكن الدعاء مقروناً بالتضرع والإخبات وقوله وادعوه خوفاً وطمعاً أن فائدة الدعاء أحد هذين الأمرين فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء وقيل معناه كونوا جامعين في أنفسكم من بين الخوف والرجاء في أعمالكم كلها ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء وإن اجتهدتم فيهما { إن رحمة الله } أصل الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتستعمل تارة في الرقة المجردة عن الإحسان وتارة في الإحسان المجرد عن القرة وإذا وصف بها الباري جل وعز فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة فرحمة الله عز وجل عبارة عن الإفضال والإنعام على عباده وإيصال الخير إليهم . وقيل : هي إرادة إيصال الخير والنعمة إلى عباده فعلى القول الأول تكون الرحمة من صفات الأفعال وعلى القول الثاني تكون من صفات الذات { قريب من المحسنين } قال سعيد بن جبير : الرحمة هاهنا الثواب فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ . وقيل إن تأنيث الرحمة ليس بحقيقي وما كان كذلك جاز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة وكون الرحمة قريبة من المحسنين لأن الإنسان في كل ساعة من الساعات في إدبار عن الدنيا وإقبال على الآخرة وإذا كان كذلك كان الموت أقرب إليه من الحياة وليس بينه وبين رحمة الله التي هي الثواب في الآخرة إلا الموت وهو قريب من الإنسان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.