الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ } بالشرك والمعصية والدعاء إلى غير عبادة الله { بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } بعد [ اصلاح ] الله إيّاها يبعث الرسل ، والأمر بالحلال والنهي عن المنكر والحرام وكل أرض قبل أن يبعث لها نبي فاسدة حتّى يبعث الرسل إليها فيصلح الأرض بالطاعة .

وقال عطيّة : معناه لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم { وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } قال الكلبي : خوفاً منه ومن عذابه وطمعاً فيما عنده من مغفرته وثوابه ، الربيع بن أنس : { خَوْفاً وَطَمَعاً } كقوله

{ رَغَباً وَرَهَباً } [ الأنبياء : 90 ] . وقيل : خوف العاقبة وطمع الرحمة ، ابن جريج : خوف العدل وطمع الفضل . عطاء : خوفاً من النيران وطمعاً في الجنان . ذو النون المصري : خوفاً من الفراق وطمعاً في التلاق { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } وكان حقه قربته . واختلف النحاة فيه وأكثروا وأنا ذاكر نصوص ما قالوا .

قال سعيد بن جبير : الرحمة هاهنا الثواب . وقال الأخفش : هي المطر فيكون القريب نعتاً للمعنى دون اللفظ كقوله تعالى

{ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } [ النساء : 8 ] ولم يقل : منها ، لأنه أراد بالقسمة الميراث والمال . وقال

{ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } [ يوسف : 76 ] والصواع مذكّر لأنّه أراد به القسمة ، والميراث ( كالمنشريّة ) والسقاية .

وقال الخليل بن أحمد : القريب والبعيد يستوي فيهما المذكر والمؤنث والجمع [ يذكر ويؤنث ] يقول الشاعر :

كفى حُزناً أنّي مقيم ببلدةً *** أخلاّئي عنها نازحون بعيد

وقال آخر :

كانوا بعيداً فكنت آملهم *** حتّى إذا ما تقربواهجروا

وقال آخر :

فالدار منّي غير نازحة *** لكن نفسي ما كادت مواتاتي

[ وقال سيبويه ] : لمّا أضاف المؤنث إلى المذكّر . أخرجه على مخرج المذكر ، وقال الكسائي : إن رحمة الله قريب مكانها قريب كقوله :

{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [ الأحزاب : 63 ] أي أتيانها قريب .

قال النضر بن شميل : الرحمة مصدر وحق المصادر التذكير كقوله :

{ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ } [ البقرة : 275 ] وقال الشاعر :

إنّ السماحة والمرؤة ضيمنا *** قبراً بمروَ على الطريق الواضح

ولم يقل : ضمنتا لأنّها مصدر . وقال أبو عمر بن العلاء : القريب في اللغة على ضربين قريب قرب [ مقربه أبوابه ] كقول العرب : هذه المرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة وهذه المرأة قريب منك إذا كانت بمعنى المسافة والمكان . قال أمرؤ القيس :

له الويل إن أمسى ولا أم هاشم *** قريب ولا البسباسة ابنة يشكر

وقال أبو عبيدة : القريب والبعيد يكونان للتأنيث والتذكير واحتج بقول عروة بن الورد :

خشيته لا عفراء منك قريبة *** فتدنوه ولا عفراء منك بعيد

وقال أبو عبيدة : القريب والبعيد إذا كانا اسمين استوى فيهما المذكر والمؤنث وان بنيتهما على قَرُبت وبعدت فهي قريبة وبعيدة .