النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

قوله عز وجل : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } فيه أربعة أقاويل :

أحدها : لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان .

والثاني : لا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل .

والثالث : لا تفسدوها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة ، قاله الكلبي .

والرابع : لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه ، قاله الحسن .

{ وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } يحتمل وجهين :

أحدهما : خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه .

والثاني : خوفاً من الرد وطمعاً في الإجابة .

{ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } فإن قيل : فلم أسقط الهاء من قريب والرحمة مؤنثة ؟

فعن ذلك جوابان : ( أحدهما ) أن الرحمة من الله إنعام منه فَذُكِّرَ على المعنى وهو أن إنعام الله قريب من المحسنين ، قاله الأخفش .

والثاني : أن المراد به مكان الرحمة ، قاله الفراء ، كما قال عروة بن حزام :

عَشِيَّة لاَ عَفْرَاء مِنكِ قَرِيبَةٌ *** فَتَدْنُو ولا عَفْرَاءُ مِنْكِ بَعِيدُ

فأراد بالبعد مكانها فأسقط الهاء ، وأرادها هي بالقريبة فأثبت الهاء .