لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

من الإفساد بعد الإصلاح إحمالُ النفس عن المجاهدات بخلع عذارها حتى تتبع هواها بعدما كَبَحْتَ لجامَها مدةً عن العَدْوِ في ميدان الخلاف ، ومن ذلك إرسالُ القلب في أودية المنى بعد إمساكه على أوصاف الإرادة ، ومن ذلك الرجوعُ إلى الحظوظ بعد القيام بالحقوق ، ومن ذلك استشعارُ محبة المخلوق بعد تأكيد العقد معه بألا تحب سواه ، ومن ذلك الجنوحُ إلى تتبع الرُّخص في طريق الطلب بعد حمل النَّفْس على ملازمة الأَوْلى والأشَق ، ومن ذلك الانحطاطُ بِحَظٍّ إلى طلبِ مقامٍ منه أو إكرام ، بعد القيام معه بترك كل نصيب .

وفي الجملة : الرجوعُ من الأعلى إلى الأدنى إفسادٌ في الأرض بعد الإصلاح .

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ } .

يقال المحسنين عملاً والمحسنين أملاً ، فالأول العابدون والثاني العاصون .

ويقال المحسن من كان حاضراً بقلبه غير لاهٍ عن ربِّه ولا ناسياً لِحقِّه .

ويقال المحسن القائم بما يلزم من الحقوق .

ويقال المحسن الذي لم يخرج ( . . . ) عن إحسانه بقدر الإمكان ولو بشطر كلمة .