قوله : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إصلاحها } نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه ، قليلاً كان أو كثيراً ، ومنه قتل الناس ، وتخريب منازلهم ، وقطع أشجارهم ، وتغوير أنهارهم . ومن الفساد في الأرض : الكفر بالله ، والوقوع في معاصيه ، ومعنى { بَعْدَ إصلاحها } : بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وتقرير الشرائع .
قوله : { وادعوه خَوْفًا وَطَمَعًا } إعرابهما يحتمل الوجهين المتقدمين في { تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } . وفيه أنه يشرع للداعي أن يكون عند دعائه خائفاً وجلاً طامعاً في إجابة الله لدعائه . فإنه إذا كان عند الدعاء جامعاً بين الخوف والرجاء ، ظفر بمطلوبه . والخوف : الانزعاج من المضارّ التي لا يؤمن من وقوعها . والطمع : توقع حصول الأمور المحبوبة .
قوله : { إِنَّ رَحْمَت الله قَرِيبٌ مّنَ المحسنين } هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين ، بأيّ نوع من الأنواع كان إحسانهم . وفي هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم ، فإن قرب هذه الرحمة التي يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عباد الله .
وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر " رحمة الله " ، حيث قال { قريب } ولم يقل قريبة ، فقال الزجاج : إن الرحمة مؤوّلة بالرحم ، لكونها بمعنى العفو والغفران . ورجح هذا التأويل النحاس . وقال النضر بن شميل : الرحمة مصدر بمعنى الترحم ، وحق المصدر التذكير . وقال الأخفش سعيد : أراد بالرحمة هنا المطر ، وتذكير بعض المؤنث جائز ، وأنشد :
فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا أرض أبقل أبقالها
وقال أبو عبيدة : تذكير قريب على تذكير المكان : أي مكان قريب . قال علي بن سليمان الأخفش : وهذا خطأ ، ولو كان كما قال لكان قريب منصوباً كما تقول : إن زيداً قريباً منك . وقال الفراء : إن القريب إذا كان بمعنى المسافة ، فيذكر ويؤنث ، وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم .
وروي عن الفراء أنه قال : يقال في النسب قريبة فلان ، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث فيقال : دارك عنا قريب ، وفلانة منا قريب . قال الله تعالى : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً } ومنه قول امرئ القيس :
لك الويل أن أمسى ولا أمّ هاشم *** قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
وروي عن الزجاج أنه خطأ الفراء فيما قاله وقال : إن سبيل المذكر والمؤنث ، أن يجريا على أفعالهما . وقيل : إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي ، جاز في خبرها التذكير ، ذكر معناه الجوهري .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.