تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

الآية 56 وقوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } قال بعضهم : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } بعد ما بعث الرسل بإصلاحها من الدعاء إلى عبادة الله والطاعة ، ويأمرون بالحلال ، وينهون عن الحرام . وقال بعضهم : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها }بعد ما خلقها طاهرة عن جميع أنواع المعاصي والفواحش وسفك الدماء وغير ذلك . ويقال : { بعد إصلاحها } بعد ما أعطاكم أسبابا تقدرون على الإصلاح .

وجائز أن يكون المراد بإصلاح الأرض أهلها ، وهو كقوله تعالى : { وكأيّن من قرية عتت عن أمر ربها } [ الطلاق : 8 ] والقرية لا توصف بالعتوّ ، ولكن أهلها .

وقوله تعالى : { وادعوه خوفا وطمعا } قال بعضهم : { خوفا } لما كان في العبادة من التقصير { وطمعا } في التجاوز والقبول ؛ لأنه لا أحد يقدر أن يعبد ربها حق عبادة ، لا تقصير في ذلك .

وعلى ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدخل الجنة أحد إلا برحمته ، قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته ) [ مسلم2811/71و2818/78 ] وعلى ذلك ما روي أن الملائكة يقولون يوم القيامة : ما عبدناك حق عبادتك ويجب على كل مؤمن أن يكون في كل فعل الخير خائفا راجيا الخوف للتقصير والرجاء للقبول . وقال بعضهم : خوفا من عذابه ونقمته وطمعا في جنّته .

[ وقوله تعالى ]{[8500]} { إن رحمة الله قريب من المحسنين } قال أهل التأويل : إن الجنة { قريب من المحسنين } ويقولون : أراد بالقريب الوقوع فيها والنزول . ويحتمل أن يكون المراد بالرحمة صفته فيكون تأويله : إن منفعة رحمة { الله قريب من المحسنين }وقال الحسن : إن رحمة الله ، وهي الجنة قريب من الخائفين . وقال بعضهم في قوله تعالى : { إن رحمة الله قريب من المحسنين } أي [ إجابة الله قريب ممّن ]{[8501]} استجاب دعاءه .

ويحتمل ما ذكرنا من منفعة رحمة الله { قريب } ممّن{[8502]} ذكر . ثم { المحسنين } يحتمل { المحسنين } إلى أنفسهم أي { المحسنين } إلى خلقه ، أي { المحسنين } إلى نعم الله ، أي أحسنوا صحبة نعمه بالقيام{[8503]} لشكرها واجتناب الكفران بها ، أو يريد الموحّدين .


[8500]:ساقطة من الأصل وم.
[8501]:في الأصل: إجابة قريب إلى من، في م: إجابة الله قريب إلى من.
[8502]:في الأصل وم: إلى من.
[8503]:في الأصل وم: القيام.