{ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين 56 } .
{ ولا تفسدوا في الأرض } نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه قليلا كان أو كثيرا ، ومنه قتل الناس وتخريب منازلهم وقطع أشجارهم وتغوير أنهارهم ، ومن الفساد في الأرض الكفر بالله والوقوع في معاصيه { بعد إصلاحها } أي بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتقرير الشرائع قاله الحسن والسدي والضحاك والكلبي ، وقيل بعد إصلاح الله إياها بالمطر والخصب .
{ وادعوه خوفا وطمعا } فيه أنه يشرع للداعي أن يكون عند دعائه خائفا وجلا طامعا في إجابة الله لدعائه ، فإنه إذا كان عند الدعاء جامعا بين الخوف والرجاء ظهر بمطلوبه ، قال القرطبي : أمرنا الله تعالى بأن يكون العبد وقت الدعاء في حال ترقب وتخوف وأمل في الله حتى يكون الخوف والرجاء للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته ، وإذا انفرد أحدهما هلك الإنسان فيدعو الإنسان خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه .
والخوف الانزعاج في الباطن من المضار التي لا يؤمن من وقوعها وقيل توقع مكروه فيما بعد والطمع توقع حصول الأمر المحبوب في المستقبل قال ابن جريج : معناه خوف العدل وطمع الفضل وقيل خوفا من الرياء وطمعا في الإجابة .
قال بعض أهل العلم : ينبغي للعبد أن يغلب الخوف حال حياته فإذا جاء الموت غلب الرجاء قال صلى الله عليه وآله وسلم : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ، أخرجه مسلم{[763]} ، والآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء والثانية في بيان فائدة الدعاء .
{ إن رحمة الله قريب من المحسنين } هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين بأي نوع من الأنواع كان إحسانهم ، وفي هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم ، فإن قرب هذه الرحمة التي يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عباد الله .
وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر رحمة الله حيث قال { قريب } ولم يقل قريبة فقال الزجاج : إن رحمة مؤولة بالرحم لكونها بمعنى العفو والغفران ، ورجح هذا التأويل النحاس .
وقال المضر بن شميل الرحمة مصدر بمعنى الترحم ، وحق المصدر التذكير ، وقال الأخفش : أراد بالرحمة هنا المطر وتذكير بعض المؤنث جائز . وقال أبو عبيدة : المعنى مكان قريب .
قال علي بن سليمان الأخفش : وهذا خطأ ولو كان كما قال لكان قريب منصوبا ، وقال الفراء : إن القريب إذا كان بمعنى المسافة فيذكر ويؤنث وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم ، وروي عن الفراء أنه قال : في النسب قريبة فلان وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث يقال دارك منا قريب ، وفلانة منا قريب ، قال الله تعالى : { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } .
وروي عن الزجاج أنه خطأ الفراء فيما قاله وقال : إن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما ، وقيل : إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي جاز في خبرها التذكير ، ذكر معناه الجوهري ، وأصل الرحمة تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتستعمل تارة في مجرد الرقة وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة . وإذا وصف بها الباري يراد بها الإحسان فقط .
وقيل هي إرادة إيصال الخير والنعمة على عباده ، فعلى الأول تكون الرحمة من صفات الأفعال وعلى الثاني من صفات الذات ، قال سعيد بن جبير : الرحمة ههنا الثواب فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.