ويل لكل همزة لمزة ( 1 ) الذي جمع مالا وعدده ( 2 ) يحسب أن ماله أخلده ( 3 ) كلا لينبذن في الحطمة ( 4 ) وما أدراك ما الحطمة ( 5 )
{ ويل } عذاب ومهلكة ، أو واد في جهنم . { لكل همزة لمزة } أي مكثر من الهمز واللمز ، وهو الذي دأبه أن يعيب الناس ، ويثلم أعراضهم ، ويطعن فيهم ، ويمشى بينهم بالنميمة والإفساد . فالهمزة واللمزة بمعنى واحد ، وهما من باب ضرب ونصر . وقيل : الهمزة : الذي يعيب في الحضور ، واللمزة : الذي يعيب في الغيبة ، وقيل بالعكس . وقيل : الهمزة : الذي يضرب باليد ويغمز بالعين ، واللمزة : الذي يلمز باللسان . ومرجع هذه الأقوال إلى أصل واحد ، وهو الطعن وإظهار العيب . وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بعنف . وأصل اللمز : الطعن ، ثم خصا بما ذكر . نزلت في الوليد بن المغيرة وأضرابه من طغاة قريش ، وكانوا يهمزون النبي صلى الله عليه وسلم ويعيبونه .
قوله تعالى : { ويل لكل همزة لمزة }
قد تقدم القول في " الويل " في غير موضع{[16360]} ، ومعناه الخزي والعذاب والهلكة . وقيل : واد في جهنم . { لكل همزة لمزة } قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ، فعلى هذا هما بمعنى . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " شرار عباد الله تعالى المشاؤون بالنميمة ، المفسدون{[16361]} بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب " . وعن ابن عباس أن الهمزة : الذي يغتاب . اللمزة : العياب . وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباج : الهمزة : الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل ، واللمزة : الذي يغتابه من خلفه إذا غاب ، ومنه قول حسان :
هَمَزْتُكَ فاخْتَضَعْتَ بذُلِّ نفسٍ *** بقافية تَأجَّجُ كالشُّواظِ{[16362]}
واختار هذا القول النحاس ، قال : ومنه قوله تعالى { ومنهم من يلمزك في الصدقات }{[16363]} [ التوبة : 58 ] . وقال مقاتل ضد هذا الكلام : إن الهمزة : الذي يغتاب بالغيبة ، واللمزة : الذي يغتاب في الوجه . وقال قتادة ومجاهد : الهمزة : الطعان في الناس ، واللمزة : الطعان في أنسابهم . وقال ابن زيد الهامز : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقال سفيان الثوري : يهمز بلسانه ، ويلمز بعينيه . وقال ابن كيسان : الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه . وقال مرة : هما سواء ، وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب . وقال زياد الأعجم :
تُدْلِي بِوُدِّي إذا لاقيتَنِي كَذِبًا *** وإنْ أُغَيَّبْ فأنتَ الهامزُ اللُّمَزَهْ
إذا لقيتكَ عن شحط تُكَاشِرُنِي *** وإن تغيَّبْتُ كنت الهامزَ اللُّمَزَهْ
الشحط : البعد . والهمزة : اسم وضع للمبالغة في هذا المعنى ، كما يقال : سخرة وضحكة : للذي يسخر ويضحك بالناس . وقرأ أبو جعفر محمد بن علي والأعرج " همزة لمزة " بسكون الميم فيهما . فإن صح ذلك عنهما ، فهي معنى المفعول ، وهو الذي يتعرض للناس حتى يهمزوه ويضحكوا منه ، ويحملهم على الاغتياب . وقرأ عبد الله بن مسعود وأبو وائل والنخعي والأعمش : " ويل للهمزة اللمزة " . وأصل الهمز : الكسر ، والعض على الشيء بعنف ، ومنه همز الحرف . ويقال : همزت رأسه ، وهمزت الجوز ، يعني كسرته . وقيل لأعرابي : أتهمزون ( الفارة ) ؟ فقال : إنما تهمزها الهرة . الذي في الصحاح : وقيل لأعرابي أتهمز الفارة ؟ فقال السنور يهمزها . والأول قاله الثعلبي ، وهو يدل على أن الهر يسمى الهمزة . قال العجاج :
ومن هَمَزْنَا رأسَهُ تَهَشَّمَا
وقيل : أصل الهمز واللمز : الدفع والضرب . لمزه لمزا : إذا ضربه ودفعه . وكذلك همزه : أي دفعه وضربه . قال الراجز :
ومن هَمَزْنَا عِزَّهُ تبَرْكَعَا *** على اسْتِهِ زَوْبَعَةً أو زَوْبَعَا
البركعة : القيام على أربع . وبركعه فتبركع ، أي صرعه فوقع على استه ، قاله في الصحاح . والآية نزلت في الأخنس بن شريق ، فيما روى الضحاك عن ابن عباس . وكان يلمز الناس ويعيبهم : مقبلين ومدبرين . وقال ابن جريج : في الوليد بن المغيرة ، وكان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ، ويقدح فيه في وجهه . وقيل : نزلت في أبي بن خلف . وقيل : في جميل بن عامر الثقفي{[16364]} . وقيل : إنها مرسلة على العموم من غير تخصيص ، وهو قول الأكثرين . قال مجاهد : ليست بخاصة لأحد ؛ بل لكل من كانت هذه صفته . وقال الفراء : يجوز أن يذكر الشيء العام ويقصد به الخاص ، قَصد الواحد إذا قال : لا أزورك أبدا . فتقول : من لم يزرني فلست بزائره ، يعني ذلك القائل .
لما بين الناجين من قسمي الإنسان في العصر ، وختم بالصبر ، حصل تمام التشوف إلى أوصاف الهالكين ، فقال مبيناً لأضلهم وأشقاهم الذي الصبر على أذاه في غاية الشدة ليكون ما أعد له من العذاب مسلاة للصابر : { ويل } أي هلاك عظيم جداً { لكل همزة } أي الذي صار له الهمز عادة ؛ لأنه خلق ثابت في جبلته ، وكذا { لمزة * } والهمز : الكسر كالهزم ، واللمز : الطعن ، هذا أصلهما ، ثم خصا بالكسر من أعراض الناس والطعن فيهم ، وقال ابن هشام في تهذيب السيرة : الهمزة الذي يشتم الرجل علانية ، ويكسر عينيه عليه ويهمز به ، واللمزة الذي يعيب الناس سراً . انتهى . وقال البغوي : وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف ، والذي دل على الاعتياد صيغة فعل بضم وفتح ، كما يقال : ضحكة للذي يفعل الضحك كثيراً حتى صار عادة له وضرى به ، والفعلة بالسكون للمفعول ، وهو الذي يهمزه الناس ويلمزونه ، وقرىء بها ، وكأنه إشارة إلى من يتعمد أن يأتي بما يهمز به ويلمز به ، فيصير مسخرة يضحك منه ، والله أعلم .
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما قال سبحانه وتعالى { إن الإنسان لفي خسر } أتبعه بمثال من ذكر نقصه وقصوره واغتراره ، وظنه الكمال لنفسه حتى يعيب غيره ، واعتماده على ما جمعه من المال ظناً أنه يخلده وينجيه ، وهذا كله هو عين النقص ، الذي هو شأن الإنسان ، وهو المذكور في السورة قبل ، فقال تعالى { ويل لكل همزة لمزة } فافتتحت السورة بذكر ما أعد له من العذاب جزاء له على همزه ولمزه الذي أتم حسده ، والهمزة العياب الطعان ، واللمزة مثله ، ثم ذكر تعالى ماله ومستقره بقوله : { لينبذن في الحطمة } أي ليطرحن في النار جزاء له على اغتراره وطعنه . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.