قوله تعالى : " تدمر كل شيء بأمر ربها " والتدمير : الهلاك . وكذلك الدمار . وقرئ " يدمر كل شيء " من دمر دمارا . يقال : دمره تدميرا ودمارا ودمر عليه بمعنى . ودمر يدمر دمورا دخل بغير إذن . وفي الحديث : ( من سبق طرفه استئذانه فقد دمر ) مخفف الميم . وتدمر : بلد بالشام . ويربوع تدمري إذا كان صغيرا قصيرا . " بأمر ربها " بإذن ربها . وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته{[13863]} إنما كان يتبسم . قالت : وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه . قالت : يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : [ يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا ] خرجه مسلم والترمذي ، وقال فيه : حديث حسن . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ نصرت بالصبا{[13864]} وأهلكت عاد بالدبور ] . وذكر الماوردي أن القائل " هذا عارض ممطرنا " من قوم عاد : بكر بن معاوية ، ولما رأى السحاب قال : إني لأرى سحابا مرمدا ، لا تدع من عاد أحدا{[13865]} . فذكر عمرو بن ميمون أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم . قال ابن إسحاق : واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ، ما يصيبه ومن معه منها إلا ما يلين أعلى ثيابهم . وتلتذ الأنفس به ، لأنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا . وحكى الكلبي أن شاعرهم قال في ذلك :
فدعا هود عليهم *** دعوةً أضحوا همودا
عصفت ريح عليهم *** تركت عادا خمودا
سخرت سبع ليال *** لم تدع في الأرض عُودَا
وعمر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة . " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم
قرأ عاصم وحمزة " لا يرى إلا مساكنهم " بالياء غير مسمى الفاعل . وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إلا أنه قرأ " ترى " بالتاء . وقد روى ذلك عن أبي بكر عن عاصم . الباقون " ترى " بتاء مفتوحة . " مساكنهم " بالنصب ، أي لا ترى يا محمد إلا مساكنهم . قال المهدوي : ومن قرأ بالتاء غير مسمى الفاعل فعلى لفظ الظاهر الذي هو المساكن المؤنثة ، وهو قليل لا يستعمل إلا في الشعر . وقال أبو حاتم : لا يستقيم هذا في اللغة إلا أن يكون فيها إضمار ، كما تقول في الكلام ألا ترى النساء إلا زينب . ولا يجوز لا ترى إلا زينب . وقال سيبويه : معناه لا ترى أشخاصهم إلا مساكنهم . واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة عاصم وحمزة . قال الكسائي : معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم ، فهو محمول على المعنى ، كما تقول : ما قام إلا هند ، والمعنى ما قام أحد إلا هند . وقال الفراء : لا يرى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل ، وإنما ترى مساكنهم لأنها قائمة . " كذلك نجزي القوم المجرمين " أي مثل هذه العقوبة نعاقب بها المشركين .
{ تدمر } أي تهلك إهلاكاً عظيماً شديداً سريعاً تأتي بغتة على طريق الهجوم { كل شيء } أي أتت عليه-{[58978]} ، هذا شأنها فمن سلم منها كهود عليه الصلاة والسلام ومن آمن به رضي الله عنهم فسلامته أمر خارق للعادة كما أن أمرها في {[58979]}إهلاك كل ما{[58980]} مرت عليه أمر خارق للعادة{[58981]} ، والجملتان يحتمل أن {[58982]}تكونا وصفاً لريح{[58983]} ويحتمل وهو أعذب وأهز للنفس وأعجب أن تكونا{[58984]} استئنافاً ، ولما كان ربما ظن ظان{[58985]} أنها مؤثرة بنفسها قال : { بأمر ربها } أي المبدع لها والمربي والمحسن بالانتقام بها من أعدائه .
ولما ذكرها{[58986]} بهذا الذكر الهائل ، وكان التقدير : جاءتهم فدمرتهم لم{[58987]} تترك منهم أحداً ، سبب عن ذلك زيادة في التهويل قوله : { فأصبحوا } ولما اشتد إصغاء السامع إلى كيفية إصباحهم ، قال مترجماً لهلاكهم : { لا ترى{[58988]} } أي أيها الرائي ، فلما عظمت روعة القلب وهول{[58989]} النفس قال تعالى : { إلا مساكنهم } أي جزاء على إجرامهم ، فانطبقت العبارة على المعنى ، وعلم أن المراد بالإصباح مطلق الكون ، ولكنه عبر به لأن المصيبة فيه أعظم ، وعلم أنه لم يبق من المكذبين ديار ولا نافخ نار ، وهذا كناية عن عموم الهلاك{[58990]} لهم سواء كان الرمل دفنهم{[58991]} أو على وجه الأرض مرتبين كما في الآية الأخرى
( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية }[ الحاقة : 7 ] وروي أن هوداً عليه الصلاة والسلام لما أحس بالريح اعتزل بمن آمن معه في حظيرة فأمالت الريح على الكفرة الأحقاف التي كانت مجتمعهم إذا تحدثوا ومحل بسطهم إذا لعبوا ، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ، ثم كشفت عنهم فاحتملتهم فقذفتهم في البحر وكذا{[58992]} أهلكت مواشيهم وكل شيء لهم فيه روح ولم يصب هوداً عليه الصلاة والسلام ومن معه رضي الله عنهم منها-{[58993]} إلا ما لين أبشارهم ونعش{[58994]} أرواحهم ، والآية{[58995]} على هذا على حقيقتها في أنه لم يصبح الصباح ومنهم أحد يرى .
ولما طارت لهذا الهول الأفئدة واندهشت الألباب ، قال تعالى منبهاً على زبدة المراد بطريق الاستئناف : { كذلك } أي مثل هذا الجزاء الهائل{[58996]} في أصله أو جنسه أو نوعه أو شخصه من الإهلاك{[58997]} { نجزي } بعظمتنا دائماً إذا شئنا { القوم } وإن كانوا أقوى ما يكون { المجرمين * } أي العريقين في الإجرام الذين يقطعون ما حقه الوصل فيصلون{[58998]} ما حقه القطع ، وذلك الجزاء هو الإهلاك على هذا الوجه الشنيع ، فاحذروا أيها العرب مثل ذلك إن لم ترجعوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.