صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

{ فإذا لقيتم الذين كفروا } أمر بجهادهم بعد بيان خسرانهم . والمراد بهم : المشركون ومن لا ذمة لهم من أهل الكتاب . { فضرب الرقاب } أي فاضربوا رقابهم ضربا في الحرب ؛ فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه مضافا إلى المفعول به . وهو مجاز عن القتل ، وعبر به عنه لتصوير القتل بأبشع صورة ، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وأشرف أعضائه . { حتى إذا أثخنتموهم } أكثرتم فيهم القتل ، وأوهنتموهم بالجراح ، ومنعتموهم النهوض والحركة . { فشدوا الوثاق } فأحكموا قيد من أسرتموهم ؛ لئلا يفلتوا منكم . يقال : أثخن في الأرض إثخانا ، سار إلى العدو وأوسعهم قتلا .

وأثخنته : أوهنته بالجراحة وأضعفته . والوثاق – بالفتح والكسر - : اسم لما يوثق به ؛ كالقيد والحبل ونحوه . وجمعه وثق ؛ كعناق وعنق . { فإما منا بعد وما فداء } أي فإما تمنون عليهم بعد الأسر بالإطلاق منا ، وإنا تفدون فداء . والمن : الإطلاق بغير عوض . يقال : من عليه ؛ إذا أثقله بالنعمة ، واصطنع عنده صنيعة . والفداء : ما يفدى به الأسير من الأسر . والآية محكمة على ما ذهب إليه جمهور الأئمة .

وذهب الحنفية إلى أنها منسوخة بآية " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " {[325]} . { حتى تضع الحرب أوزارها } أوزار الحرب : آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها ؛ كالسلاح والكراع ، وغير ذلك من الآلات المعروفة في الحروب قديما وحديثا . ووضعها كناية عن انقضاء الحرب بهزيمة العدو أو بالموادعة . و " حتى " عند الجمهور غاية للضرب أو للشد ، أو للمن والفداء معا ، أو للمجموع من قوله " فضرب الرقاب " إلى آخره . بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيهم ، حتى لا تبقى حرب مع المشركين بزوال شوكتهم . وعند الحنفية غاية للمن والفداء إن حملت الحرب على حرب بدر ؛ أي يمن عليهم ويفادون حتى تضع الحرب أوزارها . وغاية للضرب والشد إن حملت على جنس الحرب ؛ أي أنهم يقتلون ويؤسرون حتى لا تبقى حرب مع المشركين ، بمعنى ألا يبقى لهم شوكة . وتفصيل المذاهب في الفقه .

{ ولكن ليبلوا بعضكم ببعض } أي ولكن أمركم الله بالقتال ليختبر بعضكم ببعض ؛ فيمتحن المؤمنين بالكافرين تمحيصا للمؤمنين . ويمتحن الكافرين بالمؤمنين تمحيقا للكافرين .


[325]:آية 5 التوبة.