غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

1

قال أصحاب النظم : لما بيّن أن عمل الكفار ضلال والإنسان حرمته باعتبار عمله نتج من ذلك قوله { فإذا لقيتم الذين كفروا } أي في دار الحرب أو في القتال { فضرب الرقاب } وأصله فأضربوا الرقاب ضرباً إلا أنه اختصر للتوكيد لأنه بذكر المصدر المنصوب دل على الفعل وكان كالحكم البرهاني . وليس ضرب الرقبة مقصوداً بالذات ولكنه وقع التعبير عن القتل به لأنه أغلب أنواع القتل ، ولما في ذكره من التخويف والتغليظ . وفيه ردّ على من زعم أن القتل بل إيلام الحيوان قبيح مطلقاً لأنه تخريب البنيان ، فبين الشرع أن أهل الكفر والطغيان يجب قتلهم لأن فيه صلاح نوع الإنسان كما أن الطبيب الحاذق يأمر بقطع العضو الفاسد إبقاء على سائر البدن { حتى إذا أثخنتموهم } أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الشيء الثخين ، أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى لا يمكنهم النهوض وقد مر في آخر " الأنفال " . { فشدّوا الوثاق } وهو بالفتح والكسر اسم ما يوثق به والمراد فأسروهم وشدّوهم بالحبال والسيور . فإما تمنون مناً وإما تفدون فداء ، وهذا مما يلزم فيه حذف فعل المفعول المطلق لأنه وقع المفعول تفصيلاَ لأثر مضمون جملة متقدمة . وقال الشافعي : للإمام أن يختار أحد أربعة أمور هي : القتل والاسترقاق والمنّ وهو الإطلاق من غير عوض والفداء بأسارى المسلمين أو بمال .

لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منّ على أبي عروة الجهني وعلى ابن أثال الحنفي ، وفادى رجلاً برجلين من المشركين . وذهب بعض أصحاب الرأي أن الآية منسوخة . وأن المنّ والفداء إنما كان يوم بدر فقط وناسخها { اقتلوا المشركين }[ التوبة : 5 ] وليس للإمام إلا القتل أو الاسترقاق . وعن مجاهد : ليس اليوم منّ ولا فداء إنما هو الإسلام أو ضرب العنق . وقوله { حتى تضع } يتعلق بالضرب والشدّ أو بالمنّ والفداء . والمراد عند الشافعي أنهم لا يزالون على ذلك أبداً إلى أن لا يكون حرب مع المشركين وذلك إذا لم يبق لهم شوكة . وأوزار الحرب آلاتها وأثقالها التي لا تقوم الحرب إلا بها . قال الأعشى :

وأعددت للحرب أوزارها *** رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً

فإذا أنقضت الحرب فكأنها وضعت أسبابها . وقيل : أوزارها آثامها والمضاف محذوف أي حتى يترك أهل الحرب . وهم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا . وعلى هذا جاز أن يكون الحرب جمع حارب كالصحب جمع صاحب فلا يحتاج إلى تقدير المضاف . وفسر بعضهم وضع الحرب أوزارها بنزول عيسى عليه السلام . عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى عليه السلام إماماً هادياً وحكماً عدلاً يكسر الصليب ويقتل الخنزير وتضع الحرب أوزارها حتى تدخل كلمة الإخلاص كل بيت من وبر ومدر " وعند أبي حنيفة : إذا علق بالضرب والشدّ فالمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار ، وذلك إذا لم تبق شوكة للمشركين . وإذا علق بالمنّ والفداء فالحرب معهودة وهي حرب بدر . ثم بين أنه منزه في الانتقام من الكفار عن الاستعانة بأحد فقال { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } بغير قتال أو بتسليط الملائكة أو أضعف خلقه عليهم { ولكن } أمركم بقتالهم { ليبلو بعضكم ببعض } فيمتحن المؤمنين بالكافرين هل يجاهدون في سبيله حق الجهاد أم لا ، ويبتلي الكافرين بالمؤمنين هل يذعنون للحق أم لا إلزاماً للحجة وقطعاً للمعاذير . ومعنى الابتلاء من الله سبحانه قد مر مراراً أنه مجاز أي يعاملهم معاملة المختبر ، أو ليظهر الأمر لغيره من الملائكة أو الثقلين .

ثم وعد الشهداء والمجاهدين بقوله { والذين قتلوا } أو قاتلوا على القراءتين { فلن يضل أعمالهم } خلاف الكفرة .

/خ18