الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

ثم قال : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } [ 4 ] .

أي : فاضربوا رقابهم حتى يؤمنوا . والتقدير : فاضربوا الرقاب ضربا ، وهذا المصدر الذي يقوم مقام الفعل يجوز أن ينون وأن يقدم عليه مفعوله ولا صلة له ، وإنما تكون له صلة إذا كان بمعنى " إن فعل " و " إن {[63331]} يفعل " {[63332]} .

ثم قال : { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } .

أي : حتى إذا غلبتموهم {[63333]} وقهرتموهم بالقتل ، وبقيت منهم بقية {[63334]} أسرى في أيديكم لم يلحقهم قتل ، فشدوهم في الوثاق كيلا يهربون {[63335]} .

{ فإما منا بعده وإما فداء } .

أي : فإذا أسرتموهم بعد الإثخان بالقتل {[63336]} ، فإما أن تمنوا عليهم منا ، فتحرروهم بغير عوض ولا فدية ، وإما أن تفادوهم ، فتأخذوا منهم عوضا وتطلقوهم .

قال الزجاج : " أثخنتموهم : أكثرتم فيهم القتل {[63337]} ، ومنه قول : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } {[63338]} .

وقال ابن جريج {[63339]} : هذه الآية منسوخة ، لأن أهل الأوثان لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم ، والناسخ لها عنده {[63340]} { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63341]} {[63342]} وهي محكمة في أهل الكتاب يجوز أن يمن عليهم وأن يفادوا فكأنه ينحو إلى أنها مخصوصة ، فسمى {[63343]} التخصيص نسخا ، وهو قول السدي {[63344]} وجماعة من الكوفيين {[63345]} .

وقال بعض/العلماء : هي في جميع الكفار ، وهي منسوخة بقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63346]} قالوا : وإذا أسر المشرك فلا يجوز أن يمن عليه ولا أن يفادى {[63347]} من أهل الكتاب كان أو من أهل الأوثان . قالوا : فإن أسر المسلمون المرأة جاز أن يفادى بها ؛ لأنها لا تقتل ، وكذلك الصبيان ومن تؤخذ منه الجزية فإنه لا يقتل لأنه في عهد {[63348]} .

قال قتادة : هي منسوخة نسخها { فشرد بهم من خلفهم } {[63349]} .

وقال {[63350]} مجاهد نسختها { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63351]} .

وقال الضحاك : الآية ناسخة {[63352]} لقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقال : لا يقتل المشرك إذا أسر ولكن يمن عليه أو {[63353]} يفادى . كما قال جل {[63354]} ذكره ، فالآية أيضا عنده ناسخة لقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63355]} . {[63356]} .

وكان الحسن يكره قتل الأسير ، ويختار أن يمن عليه أو يفادى {[63357]} .

وقال ابن جبير : الآية محكمة ، [ ولا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف ، واستدل بآية الأنفال .

وقال ابن عباس : الآية محكمة {[63358]} ] {[63359]} جعل الله للنبي والمؤمنين الخيار في الأسارى ، إن شاءوا استعبدوا {[63360]} ، وإن شاءوا فادوهم ، فالآيتان عنده محكمتان {[63361]} ومعمول {[63362]} بهما ، وهذا القول هو قول أهل المدينة والشافعي {[63363]} وأبو عبيد {[63364]} .

فأما قوله : { حتى تضع الحرب أوزارها } .

فالمعنى والله أعلم : فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم وافعلوا بأسراهم ما بينت لكم حتى يتوب المشركون عن شركهم ، فتكون الحرب ألجأتهم {[63365]} إلى الإيمان فتسقط عنهم آثارهم .

وقال مجاهد معناه : " افعلوا هذا الذي أمرتم {[63366]} به ( حتى يضع المحارب آلة حربه {[63367]} ) بنزول {[63368]} عيسى فيسلم {[63369]} كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جرابا وتذهب العداوة من الأشياء كلها ، وذلك عند ظهور الإسلام على الدين كله {[63370]} .

وقال قتادة : معناه حتى لا يكون شرك {[63371]} .

قال {[63372]} الزجاج معناه : فاقتلوهم وأسروهم حتى يؤمنوا ، وما دام الكفر فالجهاد قائم أبدا {[63373]} .

وقيل المعنى : فاقتلوهم وأسروهم حتى تأمنوا فيضعوا {[63374]} السلاح .

والحرب مؤنثة وتصغيرها حريب وكذلك قوس ودود يصغران بغير هاء وهما ثلاثيان مؤنثان سماعا من العرب {[63375]} .

ثم قال : { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } [ 5 ] .

أي : هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون هو الحق ، ولو يشاء {[63376]} ربكم لانتصر منهم بعقوبة ينزلها بهم ، وذلك عليه هين يسير ، ولكن أراد أن يختبركم ويعلم أهل الطاعة منكم/والمجاهدين في سبيل {[63377]} الله ليجازيهم على طاعتهم {[63378]} ويعذب أعداءه بذنبهم {[63379]} .

ثم قال : { والذين قاتلوا في سبيل الله } هذه الآية نزلت في قتلى أٌحد .

وقرأ {[63380]} الحسن " قتلوا " بالتشديد ، على معنى : قتلوا المشركين {[63381]} قتل بعضهم بعض .

وقرأ الجحدري " قتلوا " بالفتح ، على معنى : قتلوا المشركين في الله وفي سبيل الله {[63382]} .

{ فلن يضل أعمالهم } أي : لن يجعل الله أعمالهم التي عملوها باطلا كما أبطل أعمال الكفار .

وقال قتادة : نزلت هذه الآية يوم أُحد والنبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون أعلى هبل ونادى المسلمون [ الله ] {[63383]} أعلى وأجل ، فنادى المشركون يوم بيوم [ بدر ] {[63384]} أن الحرب سجال ، أن لنا العزى ولا عزى {[63385]} لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ، إن القتلى {[63386]} مختلفون أما قتلانا فأحياء يرزقون ، وأما قتلاكم {[63387]} ففي النار يعذبون {[63388]} .


[63331]:ع: "أو إن".
[63332]:انظر: مشكل إعراب القرآن 671، والتبيان في إعراب القرآن 2/1160، والكشاف 4/3.
[63333]:ح : "أغلبتموهم".
[63334]:في ع : "بينة": وهو تحريف.
[63335]:ح: "ليهربون".
[63336]:ع : "فالقتل": وهو تحريف.
[63337]:انظر: معاني الزجاج 5/6.
[63338]:الأنفال: 68.
[63339]:عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد وأبو خالد: فقيه الحرم المكي كان إمام أهل الحجاز في عصره، وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة (روسي الأصل، من موالي قريش، مكي المولد والوفاة، قال الذهبي: كان ثبتا لكنه يدلس سمع من طاوس مسألة واحدة، ومن مجاهد حرفين من القرآن، وسمع الكثير من عطاء بن أبي رباح، توفي 150 هـ. انظر: صفة الصفوة 2/216، ووفيات الأعيان 3/163، وتذكرة الحفاظ 1/169، وتاريخ بغداد 10/400، والأعلام 4/160.
[63340]:ح: "غيره".
[63341]:ساقط من ع، التوبة:5.
[63342]:انظر : الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخة لمكي 413، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 372، وجامع البيان 26/26، والبحر المحيط 8/74.
[63343]:ع : "فسم" وهو خطأ.
[63344]:إسماعيل بن عبد الرحمن السدي: تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة صاحب التفسير والمغازي، وكان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، توفي 128 هـ. انظر: الجرح والتعديل 2/184، وميزان الاعتدال 1/236، وسير أعلام النبلاء 5/264، وطبقات المفسرين 1/109، والنجوم الزاهرة 1/308، والأعلام 1/317.
[63345]:انظر : الإيضاح 413، وتفسير القرطبي 16/277، وأحكام ابن العربي 4/1701.
[63346]:التوبة : 5.
[63347]:ع : "يفادا": وهو خطـأ.
[63348]:انظر: الإيضاح 413، وتفسير القرطبي 16/227.
[63349]:الأنفال: 58.
[63350]:ساقط من ع.
[63351]:انظر: "تفسير القرطبي" 16/227ز
[63352]:ح: "نسخت".
[63353]:ع: أي" وهو تحريف.
[63354]:ع: "كما قال الله جل ذكره".
[63355]:انظر: "تفسير القرطبي 16/277.
[63356]:انظر: كتاب الناسخ والمنسوخ لقتادة: 47: وفيه أن الله رخص لهم أن يمنوا على من شاءوا منهم ويأخذوا الفداء منهم، ثم نسخ ذلك في براءة فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
[63357]:انظر: تفسير القرطبي 16/227، والبحر المحيط 8/74.
[63358]:ساقط من ع.
[63359]:انظر: تفسير القرطبي 16/228.
[63360]:ح : "استبعدوا": وهو تحريف.
[63361]:ح: "محكمات".
[63362]:ساقط من ع.
[63363]:محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي المطلبي، أبو عبد الله، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كافة، أفتى وهو ابن عشرين سنة، له تصانيف كثيرة أشهرها "كتاب الأم في الفقه والرسالة"، أخذ القراءة عرضا عن إسماعيل بن عبد الله، وروى القراءة عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدث عنه أحمد بن حنبل وغيره من العلماء، توفي 204 هـ. انظر: حلية الأولياء 9/63 وصفة الصفوة 2/248، وذكرة الحفاظ 1/361، ووفيات الأعيان 4/163، وطبقات الشافعية 1/11، والبداية والنهاية 10/251، وتهذيب التهذيب 9/25، وتاريخ بغداد 2/56 -73، وكشف الظنون 1397.
[63364]:القاسم بن سلام الحروي الأزدي الخزاعي بالولاء، الخرساني البغدادي أبو عبيد من كبار العلماء الحديث والأدب والفقه من كتبه "الغريب المصنف" في غريب الحديث أخذ القراءة عرضا وسماعا عن علي بن حمزة والكسائي، وله اختيار في القراءة وافق فيه العربية والأثر، حدث عنه الدارمي وأبو بكر بن أبي الدنيا وآخرون، توفي 224 هـ.
[63365]:ح : "ألجتهم"ك وهو تحريف.
[63366]:ع : "أمرتكم".
[63367]:ع : "(حتى يضع الحرب آلة حربهـ) وهو تحريف.
[63368]:ع : "بخروج".
[63369]:ع : فسلم ". وهو تحريف.
[63370]:انظر : جامع البيان 26/27، وتفسير القرطبي 16/228، وأحكام ابن العربي 4/1701.
[63371]:انظر : جامع البيان 26/28، والدر المنثور 7/459 – 460.
[63372]:ع : "وقال".
[63373]:انظر : معاني الزجاج 5/6.
[63374]:ع : "فتضع" وهو تحريف.
[63375]:انظر: إعراب النحاس 4/179، والصحاح مادة "حرب" 1/108، واللسان 1/595، وتاج العروس 1/205.
[63376]:ع: "شاء".
[63377]:ع : "في سبيله".
[63378]:ع: "طاعته".
[63379]:ع : "أعدائه بأيديهم".
[63380]:ع : "وقد قرأ".
[63381]:ساقط من ع.
[63382]:انظر : جامع البيان 26/28، وإعراب النحاس 4/180، والكشف 2/276، والحجة 328، وتفسير القرطبي 16/230.
[63383]:ساقط من ح.
[63384]:ساقط من ح.
[63385]:ع: "عزا".
[63386]:ح : "القتلا" وفي ع: "القتل": وكلاهما تحريف.
[63387]:ح: "قتالكم. وهو تحريف.
[63388]:أخرجه عبد الرزاق في المصنف – كتاب : المغازي – وقعة أحد 5/365 – 366. (رقم الحديث 9735)، وابن هشام في السيرة 3/93، وأبو نعيم في الحلية 1/39، والسيوطي في الدر المنثور 7/461، ولباب المنقول 197.