ثم قال : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } [ 4 ] .
أي : فاضربوا رقابهم حتى يؤمنوا . والتقدير : فاضربوا الرقاب ضربا ، وهذا المصدر الذي يقوم مقام الفعل يجوز أن ينون وأن يقدم عليه مفعوله ولا صلة له ، وإنما تكون له صلة إذا كان بمعنى " إن فعل " و " إن {[63331]} يفعل " {[63332]} .
ثم قال : { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } .
أي : حتى إذا غلبتموهم {[63333]} وقهرتموهم بالقتل ، وبقيت منهم بقية {[63334]} أسرى في أيديكم لم يلحقهم قتل ، فشدوهم في الوثاق كيلا يهربون {[63335]} .
أي : فإذا أسرتموهم بعد الإثخان بالقتل {[63336]} ، فإما أن تمنوا عليهم منا ، فتحرروهم بغير عوض ولا فدية ، وإما أن تفادوهم ، فتأخذوا منهم عوضا وتطلقوهم .
قال الزجاج : " أثخنتموهم : أكثرتم فيهم القتل {[63337]} ، ومنه قول : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } {[63338]} .
وقال ابن جريج {[63339]} : هذه الآية منسوخة ، لأن أهل الأوثان لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم ، والناسخ لها عنده {[63340]} { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63341]} {[63342]} وهي محكمة في أهل الكتاب يجوز أن يمن عليهم وأن يفادوا فكأنه ينحو إلى أنها مخصوصة ، فسمى {[63343]} التخصيص نسخا ، وهو قول السدي {[63344]} وجماعة من الكوفيين {[63345]} .
وقال بعض/العلماء : هي في جميع الكفار ، وهي منسوخة بقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63346]} قالوا : وإذا أسر المشرك فلا يجوز أن يمن عليه ولا أن يفادى {[63347]} من أهل الكتاب كان أو من أهل الأوثان . قالوا : فإن أسر المسلمون المرأة جاز أن يفادى بها ؛ لأنها لا تقتل ، وكذلك الصبيان ومن تؤخذ منه الجزية فإنه لا يقتل لأنه في عهد {[63348]} .
قال قتادة : هي منسوخة نسخها { فشرد بهم من خلفهم } {[63349]} .
وقال {[63350]} مجاهد نسختها { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63351]} .
وقال الضحاك : الآية ناسخة {[63352]} لقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقال : لا يقتل المشرك إذا أسر ولكن يمن عليه أو {[63353]} يفادى . كما قال جل {[63354]} ذكره ، فالآية أيضا عنده ناسخة لقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } {[63355]} . {[63356]} .
وكان الحسن يكره قتل الأسير ، ويختار أن يمن عليه أو يفادى {[63357]} .
وقال ابن جبير : الآية محكمة ، [ ولا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف ، واستدل بآية الأنفال .
وقال ابن عباس : الآية محكمة {[63358]} ] {[63359]} جعل الله للنبي والمؤمنين الخيار في الأسارى ، إن شاءوا استعبدوا {[63360]} ، وإن شاءوا فادوهم ، فالآيتان عنده محكمتان {[63361]} ومعمول {[63362]} بهما ، وهذا القول هو قول أهل المدينة والشافعي {[63363]} وأبو عبيد {[63364]} .
فأما قوله : { حتى تضع الحرب أوزارها } .
فالمعنى والله أعلم : فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم وافعلوا بأسراهم ما بينت لكم حتى يتوب المشركون عن شركهم ، فتكون الحرب ألجأتهم {[63365]} إلى الإيمان فتسقط عنهم آثارهم .
وقال مجاهد معناه : " افعلوا هذا الذي أمرتم {[63366]} به ( حتى يضع المحارب آلة حربه {[63367]} ) بنزول {[63368]} عيسى فيسلم {[63369]} كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جرابا وتذهب العداوة من الأشياء كلها ، وذلك عند ظهور الإسلام على الدين كله {[63370]} .
وقال قتادة : معناه حتى لا يكون شرك {[63371]} .
قال {[63372]} الزجاج معناه : فاقتلوهم وأسروهم حتى يؤمنوا ، وما دام الكفر فالجهاد قائم أبدا {[63373]} .
وقيل المعنى : فاقتلوهم وأسروهم حتى تأمنوا فيضعوا {[63374]} السلاح .
والحرب مؤنثة وتصغيرها حريب وكذلك قوس ودود يصغران بغير هاء وهما ثلاثيان مؤنثان سماعا من العرب {[63375]} .
ثم قال : { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } [ 5 ] .
أي : هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون هو الحق ، ولو يشاء {[63376]} ربكم لانتصر منهم بعقوبة ينزلها بهم ، وذلك عليه هين يسير ، ولكن أراد أن يختبركم ويعلم أهل الطاعة منكم/والمجاهدين في سبيل {[63377]} الله ليجازيهم على طاعتهم {[63378]} ويعذب أعداءه بذنبهم {[63379]} .
ثم قال : { والذين قاتلوا في سبيل الله } هذه الآية نزلت في قتلى أٌحد .
وقرأ {[63380]} الحسن " قتلوا " بالتشديد ، على معنى : قتلوا المشركين {[63381]} قتل بعضهم بعض .
وقرأ الجحدري " قتلوا " بالفتح ، على معنى : قتلوا المشركين في الله وفي سبيل الله {[63382]} .
{ فلن يضل أعمالهم } أي : لن يجعل الله أعمالهم التي عملوها باطلا كما أبطل أعمال الكفار .
وقال قتادة : نزلت هذه الآية يوم أُحد والنبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون أعلى هبل ونادى المسلمون [ الله ] {[63383]} أعلى وأجل ، فنادى المشركون يوم بيوم [ بدر ] {[63384]} أن الحرب سجال ، أن لنا العزى ولا عزى {[63385]} لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ، إن القتلى {[63386]} مختلفون أما قتلانا فأحياء يرزقون ، وأما قتلاكم {[63387]} ففي النار يعذبون {[63388]} .