نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

{[59320]}ولما تحرر أن{[59321]} الكفار أحق الخلق بالعدم{[59322]} لأن الباطل مثلهم{[59323]} وحقيقة حالهم{[59324]} ، سبب عنه قوله : { فإذا لقيتم } أي أيها المؤمنون { الذين كفروا }{[59325]} ولو بأدنى أنواع الكفر في أيّ مكان كان وأيّ زمان{[59326]} اتفق . ولما كان المراد القتل المجهر بغاية التحقق ، عبر عنه مؤكداً له من الاختصار بذكر المصدر الدال على الفعل مصوراً له{[59327]} بأشنع {[59328]}صوره مع{[59329]} ما فيه من الغلظة على الكفار والاستهانة بهم فقال تعالى : { فضرب الرقاب } أي عقبوا لقيكم لهم من غير مهلة بأن تضربوا رقابهم{[59330]} ضرباً بالصدق في الضرب بما يزهق أرواحهم ، فإن ذلك انتهاز للفرصة وعمل بالأحوط ، وكذلك{[59331]} النفس التي هي أعدى العدو إذا ظفرت بها وجب عليك أن لا تدع لها{[59332]} بقية ، قال القشيري : فالحية إذا{[59333]} بقيت منها بقية فوضعت عليها إصبع{[59334]} ثبت فيها سمها .

ولما كان التقدير : {[59335]}ولا يزال ذلك فعلكم ، غياه{[59336]} بقوله : { حتى } وبشرهم بالتعبير بأداة التحقق{[59337]} فقال تعالى : { إذا أثخنتموهم } أي أغلظتم القتل فيهم وأكثرتموه{[59338]} بحيث صاروا لا حراك{[59339]} بهم كالذي ثخن فأفرط ثخنه ؛ فجعل ذلك شرطاً للأسر كما قال تعالى

{ وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }[ الأنفال : 67 ] {[59340]}ثم قال تعالى مبيناً لما بعد الثخن{[59341]} : { فشدوا } أي لأنه لا مانع لكم الآن من{[59342]} الأسر{[59343]} { الوثاق } أي الرباط الذي يستوثق{[59344]} به{[59345]} من الأسر بالربط{[59346]} على أيديهم مجموعة إلى{[59347]} أعناقهم - مجاز عن الأسر بغاية الاستيلاء{[59348]} والقهر .

ولما كان الإمام مخيراً {[59349]}في أسراهم{[59350]} بين أربعة أشياء : القتل والإطلاق مجاناً والإطلاق بالفدية وهي {[59351]}شيء يأخذه{[59352]} عوضاً عن رقابهم و{[59353]}الاسترقاق{[59354]} ، عبر عن ذلك بقوله مفصلاً : { فإما منّاً } أي أن ينعموا عليهم إنعاماً { بعد } أي في جميع أزمان ما بعد الأسر باستبقائهم ثم بعد الإنعام باستبقائهم إما أن يكون ذلك مع الاسترقاق أو مع الإطلاق ثم الإطلاق إما{[59355]} مجاناً { وإما فداء } بمال أو بأسرى من المسلمين ونحو ذلك ، فأفهم التعبير بالمن الذي معناه الإنعام أن الإبقاء غير واجب بكل-{[59356]} جائز{[59357]} ، ودخل في الإبقاء ثلاث صور : الاسترقاق والإطلاق مجاناً و{[59358]}بالفداء فصرح سبحانه وتعالى بالفداء الذي معناه الأخذ على وجه أنه قسيم للمن ، فعلم أن المراد به الإبقاء مع عدم الأخذ فدخل فيه الإطلاق مجاناً وهو واضح والاسترقاق لأنه إنعام بالنسبة إلى القتل ، وأفهم التعبير بالمن الذي معناه الإنعام من المنان الذي هو اسمه تعالى ومعناه المعطي ابتداء جواز القتل-{[59359]} لأن الإنعام مخير فيه لا واجب لأنه لو كان واجباً كان حقاً لا نعمة ، فقد دخلت السور الأربع في التعبير بهاتين الكلمتين - والله الهادي ، وكل هذا على ما يراه الإمام أو نائبه مصلحة ، قال القشيري : كذلك حال المجاهدة{[59360]} مع النفس إذا كان في إغفاء ساعة وإفطار يوم ترويح للنفس{[59361]} من الكد وقوة على الجهد فيما يستقبل من الأمر على ما يحصل به الاستصواب من شيخ المريد وفتوى لسان الوقت أو فراسة صاحب المجاهدة - انتهى .

وقد أفهم هذا السياق أن هذا الحكم ثابت {[59362]}غير منسوخ{[59363]} والأمر بالقتل وحده-{[59364]} في غيرها من الآيات عام غير-{[59365]} مخصوص بما أفهمته الغاية من أن التقدير : والجهاد على هذه الصفة باق وماض مع كل أمير {[59366]}براً كان{[59367]} أو فاجراً ، لا يزال طائفة من الأمة قائمين به ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله ، وهو - والله أعلم - المراد بقوله{[59368]} تعالى : { حتى } أي افعلوا ما أمرتكم به على ما جددت لكم إلى أن { تضع الحرب أوزارها } وهي أثقالها أي الآلات التي تثقل القائمين بها من النفقات والسلاح والكراع ونحوه ، وذلك لا يكون وفي الأرض كافر ، وذلك على زمن عيسى عليه الصلاة والسلام حين تخرج الأرض بركاتها ، وتكون الملة واحدة وهي الإسلام لله رب العالمين ، فيتخذ الناس-{[59369]} حديد السلاح سككاً ومناجل وفؤوساً ينتفعون بها في معاشهم كما ورد في الحديث{[59370]} : " الجهاد ماض منذ بعثني الله-{[59371]} إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال " - رواه في الفردوس عن أنس رضي الله عنه " الجهاد واجب عليكم مع كل بر وفاجر " رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه{[59372]} .

ولما كانت{[59373]} الحرب كريهة إلى النفوس شديدة المشقة ، أكد أمرها بما معناه : إن هذا أمر قد فرغ منه ، فقال تعالى : { ذلك } أي الأمر العظيم العالي الحسن النافع الموجب لكل خير . ولما كان هذا ربما أوهم أن التأكيد في هذا الأمر لكون الحال لا يمكن انتظامه إلا به ، أتبعه ما{[59374]} يزيل هذا-{[59375]} الإيهام فقال{[59376]} : { ولو } ولما كان لو عبر بالماضي أفاد أنه كان ولم يبق ، عبر بالمضارع الدال على الحال وما بعده فقال : { يشاء الله } أي الملك الأعظم الذي له جميع صفات{[59377]} الكمال {[59378]}والقدرة على ما يمكن{[59379]} { لانتصر منهم } أي بنفسه من غير أحد انتصاراً عظيماً بأن لا يبقى منهم أحداً { ولكن } {[59380]}أوجب ذلك عليكم { ليبلوا } .

ولما كان الابتلاء ليس خاصاً بفريق منهم بل عاماً للفريقين لأنه يكشف عن أهل المحاسن وأهل-{[59381]} المساوئ من كل منهم ، قال تعالى : { بعضكم } {[59382]}من الفرقة المؤمنين بالإنكار عليهم من الفرقة الطاغين حتى يكون لهم بذلك اليد البيضاء{[59383]} { ببعض } أي يفعل في ذلك فعل المختبر ليترتب عليه الجواء على حسب ما تألفونه من العوائد{[59384]} .

ولما أفهم هذا أن الابتلاء{[59385]} بين فريقين بالجهاد ، قال عاطفاً على ما تقديره : فالذين قاتلوا أو قتلوا في سبيل الشيطان أضل أعمالهم : { والذين قتلوا{[59386]} } وفي قراءة البصريين وحفص{[59387]} { قتلوا } وهي أكثر ترغيباً والأولى{[59388]} أعظم ترجية { في سبيل الله } أي لأجل تسهيل طريق الملك الأعظم المتصف بجميع صفات الكمال .

ولما كان في سياق الترغيب ، قرن الخبر بالفاء إعلاماً بأن أعمالهم سببه{[59389]} فقال تعالى : { فلن يضل } أي يضيع ويبطل { أعمالهم * } لكونها غير تابعة لدليل بل يبصرهم بالأدلة ويوفقهم لاتباعها ، وهو معنى قوله تعالى تعليلاً : { سيهديهم . .


[59320]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بما يحد-كذا.
[59321]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بما يحد-كذا.
[59322]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59323]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مثله.
[59324]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حاله.
[59325]:زيد في الأصل:أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59326]:زيد في الأصل: كان أو، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59327]:في م: به.
[59328]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تصور متبع.
[59329]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تصور متبع.
[59330]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أرقابهم.
[59331]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: لذلك.
[59332]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: بها.
[59333]:في مد: متى.
[59334]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أصبعا.
[59335]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فلا.
[59336]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: عناه.
[59337]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: التحقيق.
[59338]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: أكثرتموهم.
[59339]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: احتراك.
[59340]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد، وزيد في الأصل بعد "بعد الثخن" فقال، فحذفناها.
[59341]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد، وزيد في الأصل بعد "بعد الثخن" فقال، فحذفناها.
[59342]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: بعد.
[59343]:زيد في الأصل و ظ: من، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59344]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: يتوثق.
[59345]:زيد في الأصل و ظ: وهو، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59346]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أي الربط.
[59347]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: على.
[59348]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الاشتداد.
[59349]:من ظ ومد، وفي الأصل: بين أسرهم، وسقط ما بين الرقمين من م.
[59350]:من ظ ومد، وفي الأصل: بين أسرهم، وسقط ما بين الرقمين من م.
[59351]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يأخذ الإمام.
[59352]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يأخذ الإمام.
[59353]:زيد في الأصل: الرابع، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59354]:زيد في الأصل: ثم، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59355]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أي.
[59356]:زيد من ظ و م ومد.
[59357]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: جابر.
[59358]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أو.
[59359]:زيد من م ومد.
[59360]:في مد: المشاهدة.
[59361]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: النفس.
[59362]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: عن منسوخ.
[59363]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: عن منسوخ.
[59364]:زيد من ظ و م ومد.
[59365]:زيد من م ومد.
[59366]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كان برا.
[59367]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كان برا.
[59368]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بقاله.
[59369]:زيد من م ومد.
[59370]:زيد في الأصل و ظ: بذلك وفي الحديث، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59371]:زيد من م ومد وليس في تلخيص الفردوس رقم الحديث:5392.
[59372]:راجع من سننه أبواب الجهاد.
[59373]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كان.
[59374]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: بما.
[59375]:زيد من مد.
[59376]:زيد في الأصل: مشيرا، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59377]:سقط من ظ و م ومد.
[59378]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59379]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59380]:زيد في الأصل:أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59381]:زيد من م ومد.
[59382]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59383]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59384]:زيد في الأصل: سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم في خلقه بما يريد لا راد لحكمه، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59385]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الابتداء.
[59386]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: قتلوا.
[59387]:راجع نثر المرجان6/578.
[59388]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الأعظم لي.
[59389]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: سببة.