مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

{ فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ } من اللقاء وهو الحرب { فَضَرْبَ الرقاب } أصله فاضربوا الرقاب ضرباً فحذف الفعل وقدم المصدر فأنيب منابه مضافاً إلى المفعول ، وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد لأنك تذكر المصدر وتدل على الفعل بالنصبة التي فيه { وَضَرَبَ الرقاب } عبارة عن القتل لا أن الواجب أن تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الأعضاء ، ولأن قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته فوقع عبارة عن القتل وإن ضرب غير رقبته { حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ } أكثرتم فيهم القتل { فَشُدُّواْ الوثاق } فأسروهم والوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به ، والمعنى فشدوا وثاق الأسارى حتى لا يفلتوا منكم { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ } أي بعد أن تأسروهم { وَإِمَّآ فِدَاءً } { منَّا } و { فِدَاء } منصوبان بفعليهما مضمرين أي فإما تمنون مناً أو تفدون فداء ، والمعنى التخيير بين الأمرين بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم وبين أن يفادوهم ، وحكم أسارى المشركين عندنا القتل أو الاسترقاق ، والمن والفداء المذكوران في الآية منسوخ بقوله { فاقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] لأن سورة «براءة » من آخر ما نزل . وعن مجاهد : ليس اليوم منّ ولا فداء إنما هو الإسلام أو ضرب العنق . أو المراد بالمن أن يمن عليهم بترك القتل ويسترقوا ، أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وبالفداء أن يفادى بأسراهم أسارى المسلمين فقد رواه الطحاوي مذهباً عن أبي حنيفة رحمه الله وهو قولهما ، والمشهور أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره لئلا يعودوا حرباً علينا ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى : للإمام أن يختار أحد الأمور الأربعة : القتل والاسترقاق والفداء بأسارى المسلمين والمن .

{ حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا } أثقالها وآلاتها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع . وقيل : أوزارها آثامها يعني حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم بأن يسلموا وحتى لا يخلو من أن يتعلق بالضرب والشد أو بالمن والفداء ، فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه الله أنهم لا يزالون على ذلك أبداً إلى أن لا يكون حرب مع المشركين ، وذلك إذا لم يبق لهم شوكة . وقيل : إذا نزل عيسى عليه السلام . وعند أبي حنيفة رحمه الله : إذا علق بالضرب والشد فالمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار ، وذلك حين لا تبقى شوكة للمشركين . وإذا علق بالمن والفداء فالمعنى أنه يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها إلا أن يتأول المن والفداء بما ذكرنا من التأويل { ذلك } أي الأمر ذلك فهو مبتدأ وخبر أو افعلوا بهم ذلك فهو في محل النصب { وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } لانتقم منهم بغير قتال ببعض أسباب الهلاك كالخسف أو الرجفة أو غير ذلك { ولكن } أمركم بالقتال { لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } أي المؤمنين بالكافرين تمحيصاً للمؤمنين وتمحيقاً للكافرين { والذين قُتِلُواْ } بصري وحفص . { قَاتَلُواْ } غيرهم { فِى سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم