الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (73)

قوله ( وَلاَ تُومِنُوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ) الآية [ 73 ] .

قال المبرد( {[10193]} ) : فيها تقديم وتأخير ، وتقديرها عنده : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى مثلما أوتيتم ( أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلِ إِنَّ الهُدَى هُدَى اللَّهِ )( {[10194]} ) .

وقيل تقديرها : ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم( {[10195]} ) إلا لمن تبع [ دينكم ] واللام( {[10196]} ) زائدة( {[10197]} ) .

ومعنى ذلك أنهم قالوا لضعفائهم : لا تصدقوا أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم من علم ورسالة وشرف ، إلا لمن تبع دينكم ، فصدقوا أن يؤتى مثلما أوتيتم .

وقيل معناها على هذا التقدير : ولا تصدقوا أن تكون الرسالة إلا فيكم( {[10198]} ) . وقيل : تقديرها قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم أي كراهة أن يؤتى كأنه بعد أن يؤتى اليهود مثلما أوتي المؤمنون ، فتكون على هذا المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته( {[10199]} ) .

وقرأ ابن عباس ومجاهد وعيسى بن عمرو( {[10200]} ) ، وابن كثير( {[10201]} ) أن يؤتى بالاستفهام معناه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا يؤمنون ؟ مثل ( اَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ )( {[10202]} ) ؟ أي : من أجل هذا قال كذا وكذا( {[10203]} ) .

وقرأ( {[10204]} ) الأعمش ( إن يؤتي بكسر إن فجعلها بمعنى " ما " على معنى ما يؤتى أحد مثلما أوتيتم .

وقد زعم قوم أنه لحن لحذف النون من يحاجوكم وليس هو لحن عند أهل النظر لأن ( أن ) تضمر( {[10205]} ) مع أو ، فهي( {[10206]} ) مضمرة ناصبة للفعل ، ومن جعل في الكلام تقديماً وتأخيراً فاللام زائدة ، ومن في موضع نصب استثناء( {[10207]} ) ليس من الأول( {[10208]} ) .

ومن قدر الآية على وجهها ، ولم يقدر تقديماً ولا تأخيراً جعل اللام أيضاً زائدة أو متعلقة بمصدر ، كأنه : لا تجعل تصديقكم إلا لمن تبع دينكم بأن يؤتى أحد( {[10209]} ) .

وقال الفراء : يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله " دينكم " ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( قُلِ اِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ) أي : بيان الله ( أَن يُّؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ )[ 73 ] ، أو : لا يؤتى أحد ، وإن عنده بمعنى لا ، ولذلك دخلت " أحد " في الكلام عنده( {[10210]} ) .

وقوله : ( الهُدَى هُدَى اللَّهِ ) معناه : الهدى إلى الخير بيد الله يؤتيه من يشاء ، فلا تتنكروا أيها( {[10211]} ) اليهود أن يؤتى أحد سواكم مثلما أوتيتم ، فإن أنكروا وهو معنى " يحاجوكم عند ربكم " فقل يا محمد : ( اِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُوتِيهِ مَن يَّشَاءُ ) .

وقال الأخفش : ( أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ) معطوف على ( تُومِنُوا )( {[10212]} ) معناه ولا تصدقوا أن يحاجوكم ، أي : قالت اليهود لضعفائها : لا تصدقوا بأن يحاجوكم( {[10213]} ) أحد عند ربكم فيما أنكرتم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال الفراء : أو بمعنى حتى ( و )( {[10214]} ) إلا : أن( {[10215]} ) .

وقال مجاهد : ( قُلِ اِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ) اعتراض في الكلام وسائر الكلام متصل . فالأول خبر عن اليهود ومعناه ( وَلاَ تُومِنُوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ) ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثلما أتيتم ، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم ، أي : ليس يحاجوكم( {[10216]} ) أحد عند ربكم ثم قال تعالى بعد ذلك : قل يا محمد : ( اِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُوتِيهِ مَن يَّشَاءُ ) " ( {[10217]} ) .

وقوله ( أَن يُّوتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُم ) [ 73 ] .

قيل : هو إخبار عما قالت اليهود لضعفائها ، أي : لا تكون النبوة إلا فيكم( {[10218]} ) .

وقيل معناه : لا يكون العلم( {[10219]} ) والشرف إلا فيكم( {[10220]} ) .

وقيل : هو إخبار من الله تعالى للنبي( {[10221]} ) صلى الله عليه وسلم( {[10222]} ) معناه : لا يؤتي أحد من الأمم مثلما أوتيت يا محمد وأمتك من الإسلام والهدى ، وهذا قول السدي( {[10223]} ) .

ومعنى : ( أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ) إلا أن يحاجوكم ، وهذا التأويل لا اعتراض فيه ، ولا تقديم ولا تأخير ، وأن في موضع رفع خبر عن الهدى( {[10224]} ) ، والتأويل الأول يقع فيه التقديم والتأخير وأن في موضع نصب على ما ذكرنا ، وذلك حسداً ، قالوا لضعفائهم من اليهود : لا يكون نبي مثل نبيكم ولا كتاب مثل كتابكم( {[10225]} ) .

وقال الزجاج : معنى الآية : أن اليهود قالت لا تجعلوا تصديقكم لنبي في شيء مما جاء به إلا اليهود ، ولا تقولوه للمشركين ، فإن ذلك إن قلتموه لهم كان عوناً لهم على تصديقه( {[10226]} ) .

وقال أكثر المفسرين : معناه لا تصدقوا أن يعطى أحد مثلما أوتيتم من علم ، ولا تصدقوا أن يحاجوكم( {[10227]} ) أحد : لا يكونوا لأحد حجة عند الله إلا من كان مثلكم( {[10228]} ) .


[10193]:- هو أبو العباس محمد بن يزيد عبد الأكبر المبرد توفي 286 هـ عالم بالنحو واللغة والأدب. انظر: طبقات الزبيدي 101 وإنباه الرواة 3/241، وإشارة التعيين 342.
[10194]:- لم أقف عليه.
[10195]:- ساقط من (ج).
[10196]:- ساقط من (أ).
[10197]:- هو مذهب جماعة من النحاة. انظر: معاني الزجاج 1/131 وإعراب النحاس 1/343، والقطع 66، واستبعد ابن عطية وأبو حيان كون اللام زائدة لأن فعل آمن –عندهما- ضُمِّن معنى أقر واعترف فعدي باللام، انظر: المحرر 3/127، والبحر 2/497.
[10198]:- انظر: معاني الزجاج 1/430، وإعراب النحاس 1/342.
[10199]:- مذهب البصريين حذف المضاف على تقدير كراهة أن يؤتى، انظر: معاني الزجاج 1/431، وإعراب القرآن المنسوب للزجاج 1/112 والبحر 2/495.
[10200]:- هو أبو عمرو عيسى بن عمرو الهمداني الكوفي توفي 156 هـ، ثقة صالح رأس في القرآن والقراءة وهو مقرئ الكوفة بعد حمزة. انظر: طبقات الزبيدي 40 وغاية النهاية 1/612.
[10201]:- عبد الله بن كثير بن المطلب الداري توفي 120 هـ أحد القراء السبعة أخذ عن عدد من الصحابة والتابعين كان عالماً بالقراءة واللغة. انظر: التهذيب 5/368 وغاية النهاية 1/433.
[10202]:- القلم آية 14-15.
[10203]:- قصر ابن مجاهد وأبو زرعة ومكي والجزري هذه القراءة على ابن كثير، وتنسب أيضاً إلى ابن محيصن وحميد. وهي قراءة تقوم على أن الأصل: أأن يؤتى على الاستفهام فسهلت الهمزة الثانية، وقرأ أبو حاتم أن يؤتى ومعناه الآن يؤتي فحذفت لام الجر استخفافاً، وأبدلت مداً، فقراءة من قرأ (اَن كَانَ ذَا مَالٍ) أي: (إلا كان، وقرأ الباقون أن يؤتى بدون استفهام، وتأويله ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم، على أن قراءة الاستفهام تفيد التوبيخ والإنكار، وهي ثابتة من حيث المعنى. انظر: السبعة 207، وحجة القراءات 165 والكشف 1/347، والجامع للأحكام 4/112، والنشر 2/240.
[10204]:- هي قراءة شاذة وتنسب أيضاً لطلحة في مختصر الشواذ 20، أو لسعيد بن جبير في جامع الأحكام 4/114 أو لشعبة وأبي حمزة في البحر 2/497.
[10205]:- (ب) (د): يضمن.
[10206]:- (ب) (د): مع أوفى.
[10207]:- (ب) (د): استثنى.
[10208]:- انظر: إعراب النحاس 1/342.
[10209]:- انظر: المصدر السابق.
[10210]:- انظر: معاني الفراء 1/222 وانظر: معاني الزجاج 1/431.
[10211]:- (ب): بها.
[10212]:- معاني الأخفش 1/411.
[10213]:- كذا في كل النسخ وهو خطأ.
[10214]:- ساقط من باء.
[10215]:- مذهب الفراء أن حتى وإلا تصلح في موضع أو. انظر: معاني الفراء 2/223.
[10216]:- كذا في كل النسخ وهو خطأ.
[10217]:- ليس القول لمجاهد وإنما هو للطبري نقله عنه مكي بتصرف. انظر: جامع البيان 3/314.
[10218]:- انظر: المصدر السابق.
[10219]:- (ب): العلي.
[10220]:- انظر: المصدر السابق.
[10221]:- (ج): لنبيه.
[10222]:- ساقط من (ب) (د).
[10223]:- انظر: جامع البيان 3/314 والدر المنثور 2/242.
[10224]:- هذا التأويل على مذهب الفراء المتقدم الذكر.
[10225]:- انظر: جامع البيان 3/314.
[10226]:- انظر: معاني الزجاج 1/430.
[10227]:- كذا في كل النسخ وهو خطأ صوابه أن يحاجكم.
[10228]:- قوله تعالى: (أَن يُّوتَى أَحَدٌ) يعتبر من أشكل ما في السورة، وقد ذكر لها النحاس ثلاثة أوجه، ومكي أربعة وابن عطية ثمانية. انظر: إعراب النحاس 1/342، والكشف 1/347، والمحرر 3/127، وفي التحرير والتنوير عرض يستحق الاطلاع عليه 3/281.