الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

قوله : ( لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُومِنُونَ ) الآية . نصب ( وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ) عند سيبويه على التعظيم( {[14055]} ) .

وقال الكسائي : هو في موضع خفض عطف على " ما " جعل المقيمين هم الملائكة عليهم السلام( {[14056]} ) ، وهو اختيار المبرد( {[14057]} ) ، والطبري( {[14058]} ) .

واستبعد المبرد النصب على المدح لأن المدح إنما يكون بعد تمام الخبر ، والخبر لم يأت بعد( {[14059]} ) .

ومذهب سيبويه أن " يؤمنون " الخبر فقد أتى قبل الراسخون( {[14060]} ) . ومذهب المبرد أن أولئك الخبر ، فهو لم يأت بعد( {[14061]} ) .

وقيل : هو معطوف على قبلك .

وقيل : على الكاف في قبلك .

وقيل : على الكاف في أولئك( {[14062]} ) .

وقيل : على الهاء ، والميم في منهم( {[14063]} ) .

وهذه الأقول الثلاثة عطف فيها على مضمر مخفوض على مذهب الكوفيين ، وهو لا يجوز عند البصريين( {[14064]} ) .

قوله : ( {[14065]} ) ( وَالْمُومِنُونَ )( {[14066]} ) في رفعه خمسة أقوال .

رفعه عند سيبويه على الابتداء .

وقيل : رفع على إضمار مبتدأ .

وقيل : عطف على المضمر في المقيمين .

وقيل : عطف على المضمر في " يؤمنون " .

وقيل : هو معطوف على الراسخين( {[14067]} ) .

ومعنى الآية : إن ا لله تعالى أخبر عن أهل الكتاب أنهم سألوا محمد( {[14068]} ) صلى الله عليه وسلم( {[14069]} ) أن ينزل عليهم كتاباً من السماء ، ثم بيّن أنهم ليسوا كلهم قالوا ذلك ، فأخبر أن الراسخين في العلم منهم أي : من أهل الكتاب والمؤمنون أي منهم أيضاً يؤمنون بالقرآن ، والتوراة والإنجيل ، وجميع كتب الله ، وهو ما أنزل من قبل محمد صلى الله عليه وسلم فهم لا يسألون ما سأل أولئك .

وقوله : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ) هم من أهل الكتاب أيضاً .

قال أبان بن عثمان( {[14070]} ) : هو غلط من الكاتب يعني كونه بالياء وإنما حقه الرفع بالواو وهي قراءة ابن مسعود( {[14071]} ) .

وقالت عائشة رضي الله عنها لعروة إذ سألها عن اختلاف الإعراب في ( وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ) وفي ( وَالصَّابُونَ )( {[14072]} ) في المائدة وفي ( إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ )( {[14073]} ) في طه ، يا ابن أختي ، هذا عمل الكاتب غلطوا في الكتاب( {[14074]} ) .

وفي قراءة عبد الله " والمقيمون " بالرفع( {[14075]} ) .

وقال عثمان رضي الله عنه فيه لحناً ، وستقيمه( {[14076]} ) العرب بألسنتها ، يريد المصحف( {[14077]} ) ، وهذه الأحاديث مطعون فيها عند العلماء لصحة جواز خط المصحف على لغة العرب .

وإذا كان للشيء وجه لم يجز أن يحمل على الغلط ، وقد ذكرنا أن كونه بالياء له وجوه سائغة في لغة العرب ، ويدل على أنه ليس بخطأ من الكاتب إن في مصحف( {[14078]} ) أُبَيّ ( وَالْمُقِيمِينَ ) أيضاً فلو كان الرفع الصواب لم تجتمع المصاحف على تركه .


[14055]:- انظر: الكتاب 2/64-65.
[14056]:- انظر: إعراب النحاس 1/471، وقد استبعد النحاس رأي الكسائي لأن المعنى سيكون: ويؤمنون بالمقيمين.
[14057]:- انظر: المقتضب 4/145.
[14058]:- انظر: جامع البيان 6/26.
[14059]:- انظر: المقتضب 4/145.
[14060]:- انظر: الكتاب 2/64-65.
[14061]:- المقتضب 4/145-146.
[14062]:- انظر: إعراب النحاس 1/471.
[14063]:- انظر: معاني الزجاج 2/130، وإعراب النحاس 1/461.
[14064]:- انظر: المصدر السابق. والإنصاف 2/463.
[14065]:- (أ): المؤمنون.
[14066]:- ساقط من (د).
[14067]:- انظر: هذا الخلاف النحوي وما قيل فيه من آراء في: جامع البيان 6/25، وإعراب النحاس 1/470، ومشكل الإعراب 1/212 والإنصاف 2/463، والبيان في غريب الإعراب 1/275.
[14068]:- (د): محمد وهو خطأ.
[14069]:- (د): عليه السلام.
[14070]:- هو أبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان الأموي القرشي توفي 105 هـ من كبار التابعين، ومن رواة الحديث الثقات ومن فقهاء المدينة، وأهل الفتوى. انظر: تاريخ الثقات: 51 وطبقات ابن سعد 5/151، والكاشف 1/31.
[14071]:- وقراءة الرفع من القراءات الشاذة تنسب إلى عاصم والخدري في مختصر الشواذ: 36، أو إلى مالك بن دينار وعيسى بن عمر في المحتسب 1/203، وزاد أبو حيان ابن جبير وعمرو بن عبيد 3/395.
[14072]:- (أ): والصابرين. المائدة آية 71.
[14073]:- طه آية 62.
[14074]:- انظر: جامع البيان 6/25، والدر المنثور 2/744.
[14075]:- هذا، تكرار وإفحام على النص، فهل كان مكي يملي كتابه، أم كان يخطه؟
[14076]:- (أ) واستقيمها (ج) واستقيمه.
[14077]:- انظر: الدر المنثور 2/745.
[14078]:- (د): المصحف.