الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

قوله : ( اِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمُ أَن تُؤَدُّوا الآمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) الآية [ 5857 ] .

قال زيد بن أسلم : نزلت الآية في ولاة أمور المسلمين( {[12718]} ) .

قال مكحول في وقوله : ( وَأُوْلِي الاَمْرِ مِنكُمْ ) : هم أهل الآية التي قبلها في قوله : ( اِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمُ أَن تُؤَدُّوا الآمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )( {[12719]} ) .

وقال ابن زيد : قال أبي( {[12720]} ) : هم الولاة أمرهم الله عز وجل أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها( {[12721]} ) .

وقال ابن جريج : خوطب بهذا النبي عليه السلام أن يرد مفاتيح الكعبة على عثمان بن طلحة( {[12722]} ) كان المفتاح لآبائه من قصي( {[12723]} ) ، وكان أبوه قتل يوم بدر فورثه من أبيه طلحة( {[12724]} ) .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا عثمان خذ المفاتيح على أن للعباد معك نصيباً ، فأبى أن يأخذه حتى نزلت الآية ، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشرك معه أحداً ، فهو اليوم في ذريته الأمثال فالأمثال .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذها منه يوم فتح مكة ، ففتح البيت ودخله ، ثم خرج وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان بن طلحة فدفع( {[12725]} ) إليه المفاتيح( {[12726]} ) .

وقيل : نزلت لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة من شيبة بن عثمان( {[12727]} ) .

وروى أهل التفسير أن العباس عم النبي عليه السلام سأل النبي عليه السلام أن يجمع له السقاية والسدانة ، وهي الحجابة ، وهو أن يجعل له مع السقاية فتح البيت وإغلاقه ، فنازعه شيبة بن عثمان فقال : " يا رسول الله : اردد علي ما أخذت مني " ، يعني مفاتيح الكعبة فرده صلى الله عليه وسلم على شيبة( {[12728]} ) .

وقال الحسن : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة فقال : " أرنا المفتاح " ، فلما أتاه به قال عباس : " يا رسول الله اجمعه لي مع السقاية ، فكف عثمان يده مخافة أن يدفعه إلى العباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فأرني المفتاح " .

فقال : هاك في أمانة الله عز وجل ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففتح باب الكعبة ، ثم دخل ، فأفسد ما كان في البيت من التماثيل ، وأخرج مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم فوضعه حيث وضعه ، ثم طاف بالبيت مرة أو مرتين ، ونزل جبرئيل عليه السلام بالآية يأمره أن يرد المفتاح إلى أهله ، فدعا عثمان فقال : هاك المفتاح إن الله يقول : " أدوا الأمانات إلى أهلها( {[12729]} ) وقرأ الآية كلها( {[12730]} ) .

وقال ابن عباس : الآية على العموم في كل من ائتمن على شيء فعليه رده إلى أهله( {[12731]} ) .

واختار أهل النظر( {[12732]} ) أن يكون خطاباً لولاة أمور المسلمين أن يؤدوا الأمانة . فيما ائتمنوا عليه من أمور المسلمين في أحكامهم والقضاء في حقوقهم بكتاب الله ، والقسم بينهم بالسوية ، ويدل على صحة ذلك أن الله تعالى أمر المسلمين بطاعتهم بعد ذلك فقال : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَمْرِ مِنْكُمْ ) فحض الولاة على العدل والإنصاف بين المسلمين ، وحض المسلمين على طاعة الولاة .

قوله : ( إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ) أي : نعمه العظيمة يعظكم بها يا ولاة أمور( {[12733]} ) المسلمين ، في أداء ما ائتمنتم عليه من أموال المسلمين ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً ) أي : لم يزل سميعاً لما تقولون( {[12734]} ) وتنطقون وتحكمون في رعيتكم ( بَصِيراً ) بما تعملون فيما ائتمنكم عليه من الحكم والإنصاف ، لا يخفى عليه شيء من أفعالكم( {[12735]} ) . وهذا كان لولاة أمور المسلمين ومن قام مقامهم من الحكام ، وقد حض على ذلك في غير موضع من كتابه فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى )( {[12736]} ) .

وقال : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ )( {[12737]} ) .

وقال : ( وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ )( {[12738]} ) ، ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )( {[12739]} ) ، و( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )( {[12740]} ) .

وقال : ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ )( {[12741]} ) .

وقال صلى الله عليه وسلم " المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمان ، وكلتا يديه –جلت عظمته- يمين هم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وأموالهم( {[12742]} ) " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " إن أحب الناس إلى الله عز وجل وأقربهم إليه سبحانه وتعالى –إمام عادل " وقال : " إن أبغض الناس إلى الله جل ذكره وأشدهم عذاباً إمام جائر( {[12743]} ) " . وقال صلى الله عليه وسلم : " إن أفضل عباد الله منزلة إمام عادل رقيق ، وإن شر عباد الله تعالى منزلة يوم القيامة إمام جائر " ( {[12744]} ) .

وقال معقل المزني عند موته : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس من ولي أمة فَلَّت أو كثرت لم يعدل فيهم إلا كبه الله على وجهه في النار " ( {[12745]} ) .

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من أمير عشرة إلا وهو يجيء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوبقه ، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ( {[12746]} ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : " سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله : إمام مقسط ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل حتى توفاه الله على ذلك ، ورجل ذكر الله في خلا ، ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل ، ورجل كان قلبه متعلقاً بالمسجد حين يخرج منه حتى يرجع إليه ، ورجل قال أحدهما للآخر : إني أحبك في الله ، وقال الآخر : إني أحبك في الله ، فتصادرا على ذلك ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب إلى نفسها فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " ( {[12747]} ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : " أصحاب الجنة ثلاث : ذو سلطان مقسط ، ومصدق مؤمن ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير " ( {[12748]} ) .

قال ابن مسعود ، إذا كان الإمام عادلاً فله الأجل وعليكم الشكر ، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليكم الصبر .

وقال بعض الحكماء : عدل الحكام أنفع من خصب الزمان .


[12718]:- انظر: جامع البيان 5/144.
[12719]:- انظر: جامع البيان 5/145.
[12720]:- هو أبو المنذر أو أبو الطفيل أبي بن كعب بن قيس الأنصاري النجاري توفي: 33 هـ صحابي قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه الرسول وغيره. انظر: صفة الصفوة 1/474 وأسد الغابة 616. وغاية النهاية 1/31.
[12721]:- انظر: جامع البيان 5/145.
[12722]:- واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار القرشي توفي 42 هـ صحابي كان حاجب البيت أسلم مع خالد في هدنة الحديبية، انظر: طبقات ابن سعد 5/342، والإصابة 2/452.
[12723]:- (ج) (د): قص.
[12724]:- انظر: جامع البيان 5/145.
[12725]:- (ج): فدفعه.
[12726]:- انظر: جامع البيان 5/145، وأسباب النزول: 80.
[12727]:- شيبة بن عثمان بن أبي طلحة توفي 59 هـ صحابي من أهل مكة، أسلم يوم الفتح وكان حاجب الكعبة في الجاهلية ورثها عن أبيه. وقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، انظر: صفة الصفوة 1/305، أسد الغابة 2/383، والإصابة 2/157.
[12728]:- انظر: لباب النقول: 71.
[12729]:- كذا... وهو ليس بقرآن إنما هو معنى للآية.
[12730]:- انظر: جامع البيان 5/145-146، وأسباب النزول: 90، ولباب النقول: 71، والدر المنثور 2/570-572.
[12731]:- انظر: جامع البيان 5/146.
[12732]:- هو اختيار الطبري من جملة أقوال، انظر: جامع البيان 5/145.
[12733]:- (أ): الأمور وهو خطأ.
[12734]:- (أ) (ج): نقول وهو خطأ.
[12735]:- انظر: جامع البيان 5/146.
[12736]:- النحل آية 90.
[12737]:- ص آية 25.
[12738]:- المائدة آية 48.
[12739]:- المائدة آية 49.
[12740]:- المائدة آية 47.
[12741]:- النساء آية 134.
[12742]:- خرجه مسلم في كتاب الإمارة 6/7 والنساء في كتاب آداب القضاة 8/221. والبيهقي في كتاب آداب القضاة: 10/87.
[12743]:- خرجه المنذري في الترغيب والترهيب 3/167، والبيهقي في كتاب آداب القاضي 10/88. قال المدقق: هو عند الترمذي (1250) وفيه ذكر العادل والجائر وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد في المسند (10745 و11099).
[12744]:- لم أقف عليه. قال المدقق: هو في شعب الإيمان للبيهقي (7119).
[12745]:- هو بمعناه عند البخاري في كتاب الأحكام 8/107، ومسلم في كتاب الإمارة 6/7.
[12746]:- خرجه البيهقي في كتاب آداب القضاة 10/65. قال المدقق: بل أخرجه أحمد (2716) قال الهيثمي: رواه أحمد رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 2/356.
[12747]:- خرجه البخاري (6308) ومسلم في كتاب الزكاة 3/93، والبيهقي في كتاب آداب القاضي 10/87، والنسائي في كتاب آداب القضاة 8/222. وغيرهم كثير، وسياق الكتاب مختلف عنهم [المدقق].
[12748]:- خرجه البيهقي في كتاب آداب القاضي 10/87.