قوله{[22128]} : { وهو الذي أنشأ جنات معروشات } الآية [ 142 ] .
هذه الآية إعلام من الله وتذكير لعباده بنعمه{[22129]} ، ومعنى { أنشأ } أحدث وابتدع ، الجنات وهي البساتين ، والمعروشات : ما عُرِشَ كهيئة{[22130]} الكرم { وغير معروشات } : ما لم{[22131]} يُعرَش{[22132]} .
وقيل : المعروشات : ما غرس الناس ، وغير معروشات{[22133]} : ما نبت في البر والجبال من غير غرس{[22134]} ( الناس ){[22135]} له من الثمرات{[22136]} . وقيل معروشات : ( عليها حيطان ){[22137]} .
{ والنخل والزرع } أي : وأنشأ ذلك{[22138]} . { مختلفا } أي : مقدرا{[22139]} فيه الاختلاف ، ولم ينشأ في أول مرة مختلف{[22140]} ، وهذا كما تقول : ( لَتَدْخُلَنًَّ الدار آكلين شارين ) ، أي : مقدرين ذلك{[22141]} .
والمعنى : ( مختلفا ما يخرج منه مما يؤكل ){[22142]} . { والزيتون والرمان } أي : وأنشأ{[22143]} الزيتون والرمان{[22144]} { متشابها } ( ( أي ) ){[22145]} في اللون والمنظر ، { وغير متشابه } ( ( أي ) ){[22146]} في الطعم{[22147]} . وقيل : المعنى : أن منه ما يشبه بعضه بعضا في الطعم ، ومنه ما لا يشبه بعضه بعضا في الطعم والمنظر{[22148]} . { كلوا من ثمره } أي : من رُطَبِهِ ( وعنبه{[22149]} ){[22150]} .
قوله{[22151]} : { حصاده } : بالفتح{[22152]} تيمية ، وبالكسر{[22153]} حجازية{[22154]} .
وقوله : { وآتوه حقه يوم حصاده } قال سعيد بن جبير : هذا منسوخ بالزكاة{[22155]} ، وهو قول عكرمة{[22156]} ، وبه يقول الطبري{[22157]} .
و( قال الضحاك : نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ){[22158]} .
وقال ابن عباس : هو منسوخ بالسنة ، بقول{[22159]} النبي : العشر ونصف العشر{[22160]} ، وهو قول السدي وابن الحنيفة{[22161]} والنخعي ؟ {[22162]} .
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي عليه السلام قال : هو ما يسقط من السنبل{[22163]} والآية – على هذا – نَدْبٌ{[22164]} .
وقال أنس بن مالك : هي محكمة ، والمراد بها الزكاة المفروضة ، وهو قول الحسن وابن المسيب وجابر بن زيد وعطاء وقتادة وزيد بن أسلم{[22165]} . وهو مروي عن مالك{[22166]} .
واختلف فيه أصحاب الشافعي : فمنهم من تأول عنها أنها منسوخة ، لأنه ليس في الرمان ولا في شيء من الثمار{[22167]} زكاة إلا في النخل والكرم{[22168]} . ومنهم من قال : هي محكمة على تأويل مذهبه{[22169]} .
وقال سفيان : الآية في شيء آخر سوى الزكاة ، وهو{[22170]} أن [ يدع ]{[22171]} المساكين لما يسقط من الحصادين{[22172]} ، ( وهي ){[22173]} محكمة{[22174]} . و( قد ){[22175]} قيل : إنها على الندب{[22176]} .
وقد عورض من قال : إنها في الزكاة المفروضة ، بأن هذه الآية مكية والسورة كذلك ، ولم يختلف العلماء أن الزكاة إنما فرضت بالمدينة ، ولو كانت المفروضة لوجب أن تعطى{[22177]} وقت الحصاد على نص الآية وقد جاءت السُّنَة أن الزكاة لا تعطى إلا بعد الكيل{[22178]} .
وفي /{[22179]} الآية : { ولا تسرفوا } فلا يجوز أن يكون هذا في الزكاة ، لأنها معلومة محدودة ، ويجب أن تكون الزكاة في كل الثمر ولو كانت في الزكاة المفروضة ، وهذا لا يقوله أحد{[22180]} ، وقد قال أبو حنيفة : إن في كل ما أخرجت الأرض الزكاة إلا الحطب والحشيش والقصب{[22181]} . فخص{[22182]} الآية ولم يجرها على عمومها ، وتفرد بذلك .
وروي أن قوله { ولا تسرفوا } نزل في ثابت بن قيس لما صرم نخلة{[22183]} خلى بين الناس وبينه كله فلم يبق لأهله شيئا منه ، فنزل { ولا تسرفوا }{[22184]} ، أي : في العطاء فتبقوا{[22185]} لا شيء لكم{[22186]} .
ولم يختلف العلماء أن في أربعة أشياء الزكاة : الحنطة والشعير والتمر{[22187]} والزبيب{[22188]} .
وجماعة منهم على أنه{[22189]} لا تجب الزكاة إلا في هذه الأربعة ، وهو قول الحسن والشعبي والثوري وابن المبارك{[22190]} وابن أبي ليلى{[22191]} والحسن بن صالح{[22192]} وابن سيرين{[22193]} ويحيى بن آدم{[22194]} وغيرهم{[22195]} .
وزاد ابن عباس على هذه الأربعة : الزيتون ( والسلت{[22196]} .
وزاد الزهري على هذه الأربعة : الزيتون{[22197]} ){[22198]} والحبوب كلها . وهو قول عطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول{[22199]} ومالك{[22200]} والأوزاعي والليث{[22201]} ، وهو قول الشافعي بالعراق{[22202]} ، ثم رجع بمصر{[22203]} . عن الزيتون فلم ير فيه زكاة ، قال : لأنه أُدُمٌ{[22204]} وليس يُوْكَلُ بنفسه{[22205]} .
وهذا كله يدل على أن الآية منسوخة ، إذ ليس أحد منهم أوجب ظاهر نص الآية{[22206]} ومن قال : إنها محكمة وإنها في شيء غير الزكاة{[22207]} ، احتج بحديث رواه الخدري عن النبي عليه السلام أنه فسره فقال : ما سقط عن السنبل{[22208]} . وهذا الحديث ، لو صح لكان منسوخا بالإجماع ، لأنه قد أجمع على أنه لا فرض{[22209]} في المال سوى الزكاة .
فأما من قال بالندب فهو جائز{[22210]} ، إلا أن قائله{[22211]} غير معروف{[22212]} . ومعنى { ولا تسرفوا } – عند ابن المسيب - : لا تمتنعوا من الزكاة المفروضة{[22213]} .
وقال أبو العالية : كانوا يعطون حتى يجحفون{[22214]} في الإعطاء ، فأنزل الله { ولا تسرفوا }{[22215]} وهذا{[22216]} قبل فرض الزكاة . قال{[22217]} السدي : لا تعطوا أموالكم فتقعدوا{[22218]} فقراء{[22219]} .
قال{[22220]} ابن جريج : نزلت في ثابت بن قيس{[22221]} جَدَّ نخلا ( له ){[22222]} ، فحلف ألا يأتيه أحد إلا أعطاه{[22223]} ، فأمسى ليست{[22224]} له ثمرة{[22225]} فأنزل الله { ولا تسرفوا }{[22226]} .
وقال مجاهد : ( ( و ){[22227]} لا تسرفوا ) : لا تحرموا{[22228]} ما حرمت الجاهلية من الحرث والأنعام .
وقال ابن زيد : هذا للسعادة ، لا تأخذوا للولاة ما لا يجب على الناس{[22229]} .
قال أصبغ بن الفرج : ( و ){[22230]} لا تسرفوا ) ( أي ){[22231]} لا تأخذوه بغير حقه ولا تضعوه في غير حقه{[22232]} .
[22132]:انظر: تفسير الطبري 12/155، 156، وانظر: معاني الزجاج 2/296.
[22136]:هو قول ابن عباس في تفسير الطبري 12/156 وفيه (ما عرش) بدلا من ما غرس.
[22140]:كذا في جمع النسخ، ولعل الصواب: مختلفا. وفي تفسير البحر 4/236: (لم يكن وقت الإنشاء مختلفا).
[22141]:انظر: إعراب النحاس 1/585 وفيه: (وقد بين هذا سيبويه)، وانظر: الكتاب 2/49، وانظر: الفرق بين الحال الواقعة والمقدرة المتظرة والمؤكدة في إعراب مكي 274، وانظر: كذلك إعراب ابن الأنباري 1/345، وإعراب العكبري 543، وأحكام القرطبي 7/98.
[22147]:هو قول ابن جريج في تفسير الطبري 12/157، والفراء في معانيه 1/359، وابن قتيبة في غريبه 162، والزجاج في معانيه 2/297.
[22149]:ممحوة في أ. والتصويب من تفسير الطبري 12/157 وفيه أنه قول ابن كعب وابن عبيدة.
[22152]:هي قراءة عاصم وأبي عمرو وابن عامر في السبعة 271.
[22153]:هي قراءة ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي في السبعة 271، (وتقرأ بهما جميعا)، معاني الزجاج 2/297.
[22154]:انظر: حجة ابن زنجلة 275، وفي الكشف: (وهما لغتان مشهورتان) 1/456.
[22155]:انظر: تفسير الطبري 12/167، و168، وناسخ ابن العربي 2/217، وفي أحكام القرطبي 7/101: (وأما الآية فقد اختلف فيها، هل هي محكمة أو منسوخة أو محمولة على الندب، ولا قاطع يبين أحد محاملها).
[22156]:هو قول الضحاك أيضا في ناسخ مكي 283.
[22160]:في تفسير الطبري 12/168، وقول ابن عباس: نسخها العشر ونصف العشر (أما كيفية سن رسول الله للعشر ونصف العشر فورد في قول قتادة في نفس المصدر 12/160، وانظر: أحكام ابن العربي 757، 758، وناسخه 2/217، ونواسخ القرآن 158. وانظر: روايات هذا الحديث ومخرجيها في جامع الأًصول 4/588، 611 وما بعدها.
[22161]:ب د: الحنيفة. وهو أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي المعروف بابن الحنيفة، واسع العلم ورع، أحد أبطال صدر الإسلام توفي سنة 81 هـ. انظر: طبقات ابن سعد 5/66، والوفيات 1/449، والصفة 2/42.
[22162]:انظر: تفسير الطبري 12/168 وما بعدها. ولم يذكر مكي في ناسخه 283، النخعي وانظر: موسوعة فقه النخعي 533، ونواسخ القرآن 159.
[22163]:انظر: التعليق عليه بعد قليل.
[22164]:ب: يدب. وهو قول علي ابن الحسين وعطاء والحكم وحماد وابن جبير ومجاهد وابن عمر وابن الحنفية أيضا في أحكام القرطبي 7/99، 100.
[22165]:انظر: تفسير الطبري 12/158 وما بعدها وهو قول ابن عباس وطاوس وابن جبير وابن الحنفية أيضا في نواسخ القرآن.
[22166]:(وهو أحد قولي الشافعي) ناسخ مكي 283، 284، وفي أحكام ابن العربي 757 أن الذي رواه عن مالك هو ابن وهب وابن القاسم، وانظر: أيضا أحكام القرطبي 7/99.
[22168]:انظر: الصدقة في ما يزرعه الآدميون ويقتاتونه في الأم 2/37، وانظر: أحكام القرطبي 7/103.
[22169]:انظر: القول الثاني في أحكام ابن العربي 758.
[22171]:أ: يدعو، وفي ناسخ مكي 284 يترك.
[22172]:انظر: تفسير الطبري 12/164 وما بعدها.
[22174]:(وهو قول مجاهد ومحمد وأبي عبيد) أيضا في ناسخ مكي 284 الذي رده بأدلة ذكرها، وانظر: الروايات الواردة بهذا مسندة إلى عطاء ومجاهد وأبي العالية في نواسخ القرآن 158، 159.
[22176]:انظر: التعليق على القول بالندب السابق قبل قليل قد علق ابن العربي في ناسخه 2/217 على الأقوال المختلفة بشأن نسخ الآية بقوله: والأنعام مكية، والزكاة فرضت بالمدينة، فكيف يضح هذا؟!) ثم اختاروا دافع عن أحكامها.
[22179]:جلها مطموس مع خرم أتى على جل اوائلها وبعض المواضع منها.
[22180]:انظر: تفسير الطبري 12/171، 172، وناسخ مكي 285.
[22181]:مطموسة في أ. ب د: القضب. وانظر: قول أبي حنيفة في الجامع الصغير 130، وزاد في تفسير البحر 4/237 أنه قول زفر و(القصب: كل نبات ذي أنابيب، واحدتها: قصبة) انظر: اللسان: قصب.
[22183]:ب: نخلة (والصرام قطع التمرة واجتناؤها من النخلة) انظر: اللسان: صرم.
[22184]:هو قول ابن جريج في تفسير الطبري 12/174، وقول الفراء في معانيه 1/359، وانظر: معاني الزجاج 2/297، ولباب النقول 104.
[22186]:انظر: التفسير الكبير 13/214، وتفسير ابن كثير 2/189.
[22188]:انظر: الإجماع 32، وأحكام القرطبي 7/100.
[22190]:هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح مجتهد مشهور بالجهاد والزهد, روى عنه السفيانان وآخرون. توفي سنة 131 هـ. انظر: التذكرة 274، و279، والغاية 1/446. والخلاصة 2/93.
[22191]:ب: يعلى. وهو أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري تفقه به الثوري وغيره. توفي سنة 148 هـ انظر: طبقات الفقهاء 84، وطبقات الحفاظ 81، والخلاصة 348.
[22192]:هو أبو عبد الله الحسن بن صالح بن حي الهمداني، محدث صحيح الرواية متفقة توفي سنة 167 هـ انظر: طبقات الفقهاء 86.
[22193]:هو أبو بكر بن سيرين بن أبي عمرة الأنصاري البصري فقيه البصرة، توفي سنة 110 هـ. انظر: التذكرة 77، و78، وطبقات ابن خياط 210، والغاية 2/151، والتقريب 2/169، والخلاصة 2/169.
[22194]:هو أبو زكريا يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي الأموي مولاهم، إمام حافظ. روى عنه الإمام ابن حنبل وغيره. توفي سنة 203 هـ. انظر: التذكرة 1/359 والخلاصة 361، والغاية 2/363.
[22195]:مطموسة في أ. وهو قول أبي عبيد أيضا في أحكام العربي 762، وفي أحكام القرطبي 7/100، وانظر: البحر 4/237.
[22197]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. د: الزبيون.
[22199]:هو أبو عبد الله مكحول بن أبي مسلم الدمشقي فقيه حافظ. انظر: التذكرة 107، و108، وطبقات ابن خياط 310، والخلاصة 3/54.
[22200]:انظر: الموطأ 270 وما بعدها، وهو في أظهر قوليه في أحكام ابن العربي 762، وفي أحكام القرطبي 7/103 أن قول مالك لم يختلف في زكاة الزيتون.
[22201]:انظر: تفسير البحر 4/238. والليث هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي بالولاء، إمام محدث وفقيه. توفي سنة 175 هـ. انظر: طبقات الفقهاء 78، والأعلام 5/248.
[22202]:انظر : الأم 2/32 وما بعدها وأحكام القرطبي 7/100، و103، وفيه 7/104: (وممن قال بوجوب زكاة الزيتون الزهري والأوزاعي والليث والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور).
[22205]:هو أحد قوليه في أحكام ابن العربي 762 الذي رده، وانظر: أحكام القرطبي 7/100، 103، وتفسير البحر 4/237.
[22206]:(إن قلنا: إنه (أي: {آتوا حقه}) أمر وجوب فهو منسوخ بالزكاة، وإن قلنا إنه أمر استحباب، فهو باقي الحكم (نواسخ القرآن 159. وانظر: أيضا المصفى 34.
[22207]:هو قول مجاهد في أحكام ابن العربي 757.
[22209]:ب: السنيل. وهو (في حديث ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعا.. رواه ابن مردويه) انظر: تفسير ابن كثير 2/188. وفي الدر 2/367 أنه أخرجه (ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم).
[22212]:انظر: التعليق على القول بالندب فيما سبق من تفسير الآية التي نحن في رحابها.
[22213]:انظر : تفسير الطبري 12/175.
[22214]:الظاهر من الطمس في (أ) أ،ها: يجحفون، ممحوة في ب، د: يجحفون.
[22215]:انظر: تفسير الطبري 12/173 و174.
[22219]:انظر: تفسير الطبري 12/175 وفيه: (فتغدوا) بدلا من (فتقعدوا)، وانظر: أحكام القرطبي 7/110.
[22221]:هو ثابت بن قيس بن مالك بن زهير الخزرجي الأنصاري، مشهود له بالجنة، استشهد في وقعة اليمامة سنة 12 هـ. انظر: الإصابة 2/14، 15.
[22222]:ساقطة من د: وانظر: معاني الأخفش 506.
[22226]:انظر: تفسير الطبري 12/174، وأحكام القرطبي 7/110.
[22227]:ساقطة من د. وانظر: معاني الأخفش 506.
[22228]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها تحرم.
[22229]:انظر : تفسير الطبري 12/176، ولم يذكر مكي قائله في ناسخه 285، وانظر: أحكام القرطبي 7/110.
[22231]:ساقطة من د، وانظر: معاني الأخفش 506.