الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ جَنَّـٰتٖ مَّعۡرُوشَٰتٖ وَغَيۡرَ مَعۡرُوشَٰتٖ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٖۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (141)

قوله سبحانه : { وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات معروشات وَغَيْرَ معروشات . . . } [ الأنعام :141 ] .

تنبيهٌ على مواضع الاِعتبار ، و{ أَنشَأَ } : معناه : خلَقَ واخترع ، و{ معروشات } ، قال ابنُ عَبَّاس : ذلك في ثَمَر العِنَبِ ، مِنْها : ما عرش وسمك ، ومنها : ما لم يعرش ، و{ متشابها } : يريد : في المَنْظَر ، و{ غَيْرِ متشابه } : في الطعم ، قاله ابن جُرَيْج وغيره ، وقوله : { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } : نصٌّ في الإباحة ، وقوله سبحانه : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } : قال ابن عباس وجماعة : هي في الزكاة المفْرُوضة .

قال ( ع ) : وهذا القولُ مُعْتَرَضٌ بأن السورة مكِّيَّةٌ ، وبأنَّه لا زكاة فيما ذُكِرَ من الرُّمَّانِ ، وما في معناه ، وحكى الزجَّاج ، أنَّ هذه الآية قيل فيها : إنها نزلَتْ بالمدينة ، وقال مجاهدٌ وغيره : بل قوله : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } : نَدْبٌ إلى إعطاء حقوقٍ مِنَ المال غَيْر الزكاة ، والسُّنَّة أن يُعْطِيَ الرجُلُ من زرعه عند الحصَادِ ، وعِنْدَ الذَّرْوِ ، وعنْدَ تكديسه في البَيْدَرِ ، فإذا صفى وكال ، أخرَجَ من ذلك الزكاةَ .

وقالتْ طائفة : هذا حكم صدَقَاتِ المسلمين ، حتى نزلَت الزكاةُ المفروضةُ ، فنسخَتْها .

قال ( ع ) : والنسخ غَيْرُ مترتِّب في هذه الآية ، ولا تَعَارُضَ بينها وبيْن آية الزكاة ، بل تَنْبَنِي هذه على النَّدْبِ ، وتلك على الفرض .

وقوله سبحانه : { وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين } النهْيُ عن الإسراف : إما للناس عن التمنُّع عن أدائها ، لأن ذلك إسراف من الفعْلِ ، وإما للولاة عن التشطُّط على الناسِ والإذاية لهم ، وكلٌّ قد قيلَ به في تأويل الآية .