تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (31)

وقوله تعالى : ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ) يخرج على وجوه :

أحدها : يقول : ليس عندي خزائن الله والسعة ، فأبدل لكم لتؤمنوا رغبة في المال والسعة .

والثاني : يقول : ليس عندي سعة ، فيقع عندكم أني أدعوكم إلى ما أدعوكم إليه افتعالا لا رغبة في المال على ما يفعل المفتعلون للرغبة في المال ، ولكن لتعلموا أني مكلف في ذلك .

والثالث : يحتمل ما ذكرنا من أسئلة كانت منهم[ ذلك في تفسير الآية/24 ] .

وقوله تعالى : ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ) هذا القول منه لهم يحتمل الوجهين :

أحدهما : أنه قال ذلك على إثر أمور ، [ والثاني : أنه قال ذلك على إثر ][ في الأصل وم : و ] أسئلة كانت منهم من نحو قولهم : ( لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك )[ الآية : 12 ] وقولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) ( أو تكون لك جنة )[ الإسراء : 90و91 ] وقولهم : ( أو يكون لك بيت من زخرف )[ الإسراء : 93 ] وأمثال ما كان منهم ، فيقول لهم : ليس عندي ، وبيدي ، إنما ذلك عند الله وبيده .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( ولا أعلم الغيب ) يحتمل أن يكونوا[ في الأصل وم : يكون ] سألوه أن يخبرهم عن أمور تستقبلهم قبل أن تستقبلهم ، إن [ كانت شرا يعدوا ][ في الأصل وم : كان شرا فيعدوا ] له في دفعه ، وإنك كانت منافع يستقبلوها[ في الأصل وم : فيستقبلوا لها ] ، ويتأهبوا لها . فيقول لهم : ذا غيب ، فأنا لا أعلم الغيب ، إنما العلم في ذلك إلى الله .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( ولا أقول إني ملك ) أعلم أخبار السماء والأمور التي فيها ( إنما أنا بشر مثلكم )[ الكهف : 110 وفصلت : 6 ] .

وعن ابن عباس رضي الله عنه : [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : ( ولا أقول لكم عند خزائن الله ) أي مفاتيح الله في الرزق . فهذا كأنهم سألوه السعة ليتبعوه[ في الأصل وم : فيتبعونه ] ، فيقول : ليس عندي ذلك .

ويحتمل أن يكون قال لهم الرسول هذا لدفع الشبه عنهم ؛ وذلك أن من الكفار من اتخذ الرسول إلها ، فعبدوه بعدما عاينوا أنه من البشر ، ومنهم من قال : إنه ابن الله ، ومنهم من قال : إنه ملك ، وكانوا يعبدون الملائكة ، [ وكان يخبرهم ][ في الأصل وم : كانوا يخبرونهم ] عن أشياء غابت عنهم ، وظنوا أنه إنما علم ذلك لأنه إله ، فيقول لهم ذلك ليدفع عنهم تلك الشبه ، ويتبرأ من ذلك .

ولذلك قال عيسى : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) ( وجعلني مباركا )[ مريم : 30و31 ] هو عليه السلام كان يعلم في نفسه أنه عبد الله ، ولكن يقول لئلا ينسبوه إلى الألوهية والربوبية على ما نسبوا إليه ، فأقر بالعبودية له ، والله أعلم بذلك .

وقال بعض أهل التأويل : ( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ) أي مفاتيح الله بأن يهدي السفلة دونكم ( ولا أعلم الغيب ) أي لا أقول : إن عندي غيب ذلك إن الله يهديهم ، وهم مؤمنون في السر . وذلك كقوله : ( وما علمي بما كانوا يعملون )[ الشعراء : 112 ] وقوله : ( الله أعلم بما في أنفسهم ) من الصدق ( ولا أقول إني ملك ) أي إنما أنا بشر كقولهم[ في الأصل وم : لقولهم ] : ( ما نراك إلا بشرا )[ الأية : 27 ] إلى آخر الآية .

ثم قال : ( وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ ) قيل : الذين حقرتموهم ، يعني السفلة والأتباع .

وقال ابن عباس : الذين لم تأخذهم ( تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْراً ) يعني إيمانا ( الله أعلم بما في أنفسكم )/239-بن الصدق ( إِنِّي إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ ) لهم إن لم أقبل منهم الإيمان ، أو طردتهم ، والله أعلم .