تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

وقوله تعالى : ( وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ) من أبواب متفرقة ( مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) أي ما كان يدفع عنهم ما حكم الله عليهم أن يصيبهم .

وقوله تعالى : ( إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ) الحاجة في النفس أحد شيئين : إما الرغبة وإما الرهبة كقوله : ( ولا يجدون في صدروهم حاجة )[ الحشر : 9 ] فعلى ذلك حاجة يعقوب ، لا تخلو إما أن كانت رغبة منه في تفرقهم ، وإما[ في الأصل وم : أو ] رهبة في اجتماعهم قضى تلك الحاجة .

وقوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ) يشبه أن يكون ذلك صلة ما قال يعقوب لبنيه ( لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ) أي وإنه لذو علم لما أمرهم بالدخول على التفرق ونهاهم[ في الأصل وم : والنهي ] عن الاجتماع ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ما[ أدرج قبلها في الأصل وم : أنه ] أراد بقوله : ( لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما [ أنه قال ][ ساقطة من الأصل وم ] ( وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ) من السكك المتفرقة ( ما كان يغني عنهم من الله من شيء ) من قضاء الله شيئا ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) يقول : أداها ، فتكلم بها ( وإنه لذو علم لما علمناه ) يقول : حافظا لما علمناه .

وقيل حافظا له عالما به . وقيل : ( وإنه لذو علم لما علمناه ) أي [ عمل بجميع ][ في الأصل : محل بجمع ، في م : محل بجميع ] ما علم ، وانتفع به ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) لم ينتفعوا بما عملوا .

ويحتمل قوله : ( وإنه لذو علم لما علمناه ) بقصة يوسف من أولها إلى آخرها لما أخبرناه ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ذلك .

وجائز أن يكون قوله : ( وإنه لذو علم لما علمناه ) أي ما أصاب من الحزن من ذهاب يوسف وأخيه وما أصابه من الشدة والنكبة لم يؤثر ذلك في علمه الذي علمناه ، وإن أثر ذلك في نفسه وبدنه ، أي علمه بما علمناه بعدما أصابه كهو ما كان قبل ، لم يعمل فيه ، ولم يؤثر . وعن الحسن في ما ظن[ في الأصل وم : أظن ] في قول يعقوب لبنيه : ( لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : أما والله ما كانت به طيرة ، تطير بها ، ولكن قد علم ، أو ظن أن يوسف سيلقى أخاه ، فيقول : ( إني أنا أخوك )[ الآية : 69 ] .

وأكثر أهل التأويل قالوا : قوله : ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) أي خيفة العين على بنيه لجمالهم وحسن صورهم أو لما يكون لواحد كذا وكذا من البنين ، فيقصدون قصدهم [ بالكناية فيهم على ما ][ في الأصل : بالكناية عليهم لما ، في م : بالكناية عليهم لما ] ذكرنا ، أو ما أراد بذلك ، والله أعلم .