تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ يَدۡعُوكُمۡ فَتَسۡتَجِيبُونَ بِحَمۡدِهِۦ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا} (52)

الآية52 : وقوله تعالى : { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده }يحتمل هذا الدعاء والإجابة دعاء الخلقة وإجابة الخلقة لما كانت خلقتهم ، تعظم ربهم ، وتحمد في كل وقت ، وتثني ، على ما ذكرنا في غير آية من القرآن .

ويحتمل دعاء القول وإجابة القول والعمل لما كانوا عاينوا قدرته وعظمته أجابوا له بحمده وثنائه كقوله : { مهطعين إلى الداع }( القمر : 8 )ونحوه .

أو أن يكون قوله{ يوم يدعوكم }يوم القيامة كقوله : { يوم يدع الداع إلى شيء نكر }( القمر : 6 ) وقوله( مهطعين مقنعي رءوسهم }الآية( إبراهيم : 43 ) .

أخبر أنهم يجيبون داعيهم يومئذ ، ويثنون على الله ، ويحمدونه .

وقوله تعالى : { إن لبثتم إلا قليلا } قال الحسن قوله : { وتظنون }أي تعلمون ، وتتيقنون أنكم ما لبثتم في الدنيا إلا قليلا . وكذلك قال قتادة : أي يستحقرون الدنيا ، ويستصغرونها لما عاينوا القيامة وأهوالها .

ثم من أنكر عذاب القبر احتج بظاهر هذه الآية حين {[10957]} قال : { وتظنون إن لبثتم إلا قليلا } وقال{[10958]} { لبثنا يوما }( المؤمنون : 113 ) .

ومثله قالوا في العذاب والشدة ، لم يكونوا يستقصرون ، ويستصغرون المقام فيه ؛ إذ كل من كان في عذاب وبلاء وشدة يستعظم ذلك ، ويستكثره{[10959]} ، ولا ينساه أبدا .

هذا المعروف/303-أ/عند الناس . فإذن هم استقلوا لك ، واستقصروه ، حتى { قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم }( المؤمنون : 113 )وقال{[10960]} : { قليلا }( الإسراء : 52والمؤمنون : 114 )وقال{[10961]} : { يسيرا }( الأحزاب : 14 ) .

دل ذلك أنهم لم يكونوا في عذاب وبلاء . ويتأولون قوله : { النار يعرضون غليها غدوا وعشيا }( غافر : 46 )على التقديم والتأخير ، يقولون : تأويله : ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ، ليس على ألا يكون لهم عذاب في ما بين ذلك ، ولكن على ما في الجنة : { ولهم رزقهم فيها بُكرة وعشيا }( مريم62 ) .

ومن يقول بالعذاب في القبر : قوله : { وتظنون إن لبثتم إلا قليلا }في الدنيا ، أو يقول{[10962]} : ذلك في وقت ، وهو ما بين النفختين . كذلك يقولون : إنه يرفع عنهم العذاب ما بين النفخة الأولى والثانية . وهذا احتيال .

ويقال أيضا : ليس في استقلالهم المقام والاستقصار ما يدل على أن لم يكن لهم عذاب في القبر لأن العرف في الناس أنهم كانوا في بلاء وشدة ونوع من المرض ، ثم نزل بهم ما هو أشد من ذلك وأعظم ، فاستصغروا ما كانوا هم فيه ، ونسوا ذلك .

ألا ترى أنهم إذا عاينوا الجنة ونعيمها نسوا ما كان لهم من النعم في الدنيا ؟ ولا شك أنه قد كان لهم نعيم في الدنيا . فعلى ذلك العذاب .

وقال أبو عوسجة : { ورفاتا }( الإسراء : 49 )قال : رُفَاَتا متكسرة ، وفَتَّتُّه ، أي كسرته ، وقال القُتَبِيُّ في : { أكنة }( الإسراء : 46 )جمع كِنَان ، مثل غطاء أو أغطية{ وإذ هم نجوى }( الإسراء : 47 ) أي متناجون ، يسار بعضهم بعضا : أنه مجنون وأنه ساحر كاهن وأساطير الأولين .

وقال بعضهم : كان نجواهم ما ذكر في سورة الأنبياء حين قالوا : { هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر }( الآية : 3 )فذلك قوله : { إذ يقول الظالمون إن تتبعوا }( الإسراء : 47 ) أي ما تتبعون{ إلا رجلا مسحورا } قال أبو عبيدة : { مسحورا } أي قد سحر به ، وقد يتناقض قولهم . وقد ذكرنا وجه تناقض قولهم{[10963]} في ما تقدم ، والله أعلم .


[10957]:في الأصل و.م : حيث.
[10958]:في الأصل و.م: وقوله.
[10959]:في الأصل و.م: ويستكثر.
[10960]:في الأصل و.م: وقالوا.
[10961]:في الأصل و.م: و.
[10962]:في الأصل و.م : يقولون.
[10963]:في الأصل و.م : يقولوا.