تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (31)

الآية : 31 وقوله تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) يحتمل أن يكون علّم ألهم{[445]} ، ويحتمل أن يكون علّم بإرسال{[446]} ملك من غير الذين امتحنوا به . وفي ذلك يثبت أحد وجهين : إما أن يكون العلم بالأشياء حقيقة ضرورة / 7-ب/ يقع عند النظر في الأسباب التي هي أدلة وقوعه{[447]} عند التأمل فيها نحو وقوع الدرك بالصبر عند النظر وفتح العين ، وإما أن كان{[448]} الله تعالى خلق فعل التعلم الذي يعلم المرء في ما يضاف إلى الله تعالى أنه علم . وكذا قوله : ( علم البيان ) [ الرحمان : 4 ] ، وكذا قوله : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) [ يس : 69 ] . ولا يحتمل هذه الأسباب لما كانت له كلها ، ولم يكن تعلم حقيقة ليؤذنه . وكذلك قول الملائكة : ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) [ البقرة : 32 ] والله الموفق .

وقوله تعالى : ( إن كنتم صادقين ) في المعاني التي ذكروا ، أو{[449]} إذ كنتم مذ خلقتم موصوفين بالصدق ، أو على تحذير القول بلا علم ؛ وكأنه قال : واصدقوا ، واحذروا القول بالجهل . وفي ذلك أنهم لم يتكلفوا بالقول في شيء ، ولم يعلمهم الله تعالى .

قال أبو بكر عبد الرحمان بن كيسان : هذا يبطل قول المنجمة{[450]}والقافة{[451]} بدعواهم على الغيب بلا تعليم ادعوه{[452]} من الله تعالى وفي قصة آدم عليه السلام دلالة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بما علم ، إذ أخبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما علم بما في غير القرآن من الكتب السماوية من غير أن عرف بالاختلاف إليهم أو معرفة الألسن التي بها ذكرت في كتبهم ؛ ذكرها على ما لم يدع أحد له العلم بها النكر{[453]} عليه ليعلم أنه بالله علم ذلك .

وفيها دلالة فضل آدم عليه السلام – أبي البشر- إذ أحوج ملائكته{[454]} لاقتباس أصل الأشياء ، وهو العلم الذي كل خير له كالتابع [ به يصلح ]{[455]} ، وينفع ، ولا قوة إلا بالله . وفيها دلالة محنة الملائكة بوجهين :

أحدهما : تعلمهم العلم الذي هو أحق شيء يحتمل الخير ؛ إذ قد يلهم المرء ربما من غير تكلف ، وهم قد أمروا به مع ما قدم ما يخرج مخرج التهدد في القول من قوله : ( أنبئوني ) . وذلك في ما لا محنة فاسد مع ما سبق من دليل المحنة .

والثاني : في ما أمرهم بالسجود لآدم عليه السلام حتى صير من أبى كافرا إبليسا . وذلك أيضا دليل فضل آدم عليه السلام إذ جعل موضع عبادة خيار خلق الله لله ، وبالله التوفيق .

وفي{[456]} ذلك أن السجود ليس بنفسه عبادة ؛ إذ قد يجوز السجود لأحد من الخلق كما أمر به لآدم عليه السلام كقوله{[457]} ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) [ البقرة : 34 ] ، ولم يجز الأمر بالعبادة لآدم . والله اسم المعبود ، ولو جاز لأحد ذلك لكان غير الله آلهة ، دليل ذلك تسمية العرب كل شيء يعبدونه إلها ، ولا قوة إلا بالله .

ثم السجود يحتمل [ وجهين :

الأول : ]{[458]} الخضوع كما قال الله تعالى : ( يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ) الآية [ الحج : 18 ] ، وقوله : ( والنجم والشجر يسجدان ) [ الرحمان : 6 ] . فإن كان المراد منه الخضوع والتعظيم [ فذلك يحتمل وجهين :

أحدهما : أن الله تعالى إذ{[459]} فضله عليهم بما أطلعه على علوم خصه بها أمرهم بالخضوع والتعظيم ]{[460]} . وذلك{[461]} الحق على كل محتاج إلى آخر ما به وجاء النجاة أو درك العلو والكرامة أن يعظمه ، ويبجله ، ويخضع له .

والثاني : أنه{[462]} امتحنهم بوجه يظهر قدر الطاعة ؛ لأن الخضوع لمن يعلو أمره ، ويجل قدره أمر سهل ، عليه طبع الخلق . فإذا كان في تقدير المأمور [ ما ]{[463]} بالخضوع أنه دونه في الرتبة{[464]} وشكله أو لم يكن بينهم كثير تفاوت اشتدت المحنة في مثله بالطاعة له والخضوع ، فامتحنهم الله به حتى ظهر الخاضع لله والمستسلم لحقه والمتكبر في نفسه ، وهو إبليس . وعلى{[465]} ذلك الغالب من اتباع الأنبياء صلوات الله عليهم والذين يأتون ذلك أن الذي يحملهم على الإباء عظمهم في أنفسهم وظنهم أنهم أحق بأن يكونوا متبوعين ، والله أعلم .

والوجه الثاني : أن يكون المراد من ذكر السجود [ حقيقة ]{[466]} ؛ [ فهو يخرج على وجهين ]{[467]} :

أحدهما : أن يجعل السجود تحية ، ألزم الملائكة تحية آدم به ، وهو ابتداء ما أكرم به أصل الإنس ، وإليه يرجع جملة المؤمنين في الجنة أن يأتيهم الملائكة بالتحيات والتحف ، وإن اختلفت{[468]} أنفس التحيات . وفي ذلك دليل بين أن السجود ليس عبادة{[469]} في نفسه ؛ إذ قد يؤمر به للبشر ، ولا يجوز الأمر بعبادة غير الله ، فيكون السجود لغيره من حيث الفعل ، والعبادة به لله ، كغيره من المعروف يصنع إلى الخلق ؛ ومثله أمر سجود{[470]} يعقوب وأولاده ليوسف عليه السلام والله أعلم .

والثاني أن يكون السجود له بمعنى التوجه إليه [ وهو في الحقيقة ]{[471]} لله تعالى نحو السجود [ للكعبة لله تعالى تعظيما له وتبجيلا لكعبة الله تعالى ]{[472]} وتخصيصا من بين البقاع{[473]} .

كذلك أمر السجود لآدم عليه السلام تعظيما له وتبجيلا من سائر البشر . كلاهما سيان .

ثم قد ثبت نسخ السجود للخلق بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو كان يحل لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " [ الترمذي 1159 ] .

ولما جعل السجود في العبادة عبادة للمسجود له واعترافا بعرف الأشرار بعبادة عظمائهم ومن يعبدونه من دون الله تعالى يصير ذلك المعنى ، هو السابق في القلوب ، وذلك مما لا يحتمل [ لأحد ]{[474]} دون الله ، فنهي [ عنه ]{[475]} لذلك{[476]} ، وإن لم يكن بنفسه عبادة للمسجود له في الحقيقة كما نهي عن أشياء بما يتصل بها من الوحشة ، وإن لم يكن ذلك في الحقيقة محتملا له ، فكذلك الأمر الأول كما نهي عن سب من يعبد من دون الله خوفا لسب الله تعالى . ويؤمر [ بأمور ]{[477]} ليست بنفسها بقربة ليتوصل بها إلى القربة كالسعي إلى الحج والجمعة ونحو ذلك .

وفيه أن السنة تنسخ الكتاب لأن السجود لآدم عليه السلام في الكتاب ، ومثله السجود ليوسف عليه السلام ثم نهى{[478]} رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فحرم ، فدل أن السنة تنسخ الكتاب .


[445]:- من ط ع، في الأصل و ط م: لهم.
[446]:- من ط م و ط ع،، في الأصل: بالرسال.
[447]:- ساقطة من ط ع.
[448]:- في ط م: يكون.
[449]:- ساقطة من ط م.
[450]:- المنجمة ج منجم، وهو من ينظر في النجوم ويزعم معرفة حظوظ الناس (اللسان).
[451]:- في ط م العافة، أما القافة فهي جمع قائف وهو من يتتبع الآثار ويدعي معرفة النسب بالنظر إلى أعضاء الوليد (اللسان)، وأما العافة فهي جمع عائف وهو الذي يعيف الطير فيزجرها ويتفاءل ويتشاءم بأسمائها وأصواتها وممرها (اللسان).
[452]:- من ط م، في الأصل و ط ع: ادعوهم
[453]:- من ط م و ط ع،: النكير
[454]:- في ط ع: الملائكة.
[455]:- في الأصل و ط ع: به ويصلح، في ط م: وبه يصلح.
[456]:- أدرج المحقق في ط ع قبل هذه الكلمة العنوان التالي: السجود ليس بنفسه عبادة.
[457]:-ساقطة من ط م.
[458]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[459]:- في الأصل و ط ع: إذا.
[460]:- ساقطة من ط م.
[461]:- في ط م: فذلك.
[462]:- ساقطة من ط م.
[463]:- من ط م.
[464]:- من ط م و ط ع،، في الأصل: التربة.
[465]:- من ط م، الواو ساقطة من الأصل و ط ع
[466]:- في ط م: حقيقة السجود، ساقطة من الأصل و ط ع.
[467]:- من ط م، في الأصل و ط ع: فهو مخرج على الوجهين.
[468]:- من ط م، في الأصل و ط ع: اختلف.
[469]:- في ط م و ط ع: بعبادة.
[470]:- من ط م، في الأصل و ط ع: سجود.
[471]:- في الأصل و ط ع: وهي في الحقيقة، في ط م: وهو الحقيقة.
[472]:- في الأصل: لكعبة لله تعالى تعظيما له وتبجيلا للكعبةـ في ط ع: لكعبة، في ط م: لكعبته.
[473]:- من ط م و ط ع،، في الأصل: البقاء.
[474]:- من ط م و ط ع،، ساقطة من الأصل.
[475]:- من ط م.
[476]:- من ط م، في الأصل و ط ع: كذلك.
[477]:من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[478]:- من ط م و ط ع،، في الأصل: نفى.