تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (36)

الآية 36 [ وقوله : ( فأزلهما الشيطان عنها ) أي دعاهما ، وزين لهما إلى سبب الزلة والإخراج منها لا ]{[541]} أن تولى إخراجهما وإزلالهما ، وقد ذكرنا{[542]} أن الأشياء تسمى باسم أسبابها والأسباب باسم الأشياء ، وذلك ظاهر معروف في اللغة غير ممتنع تسمية الشيء باسم سببه ]{[543]} .

ثم تكلموا في ما أصاب آدم من الشجرة وفي وجهة النهي عنها{[544]} ؛ فقال قوم : أكل منها ، وهو ناس لعهد الله نسيان ترك الذكر ، وأبى ذلك قوم ، واحتج الحسن بأن نسيانه نسيان تضييع واتباع الهوى لا نسيان الذكر بأوجه :

أحدها : ما جرى في حكم الله تعالى من العفو عن النسيان الذي هو ترك الذكر وألا يلحق صاحبه اسم العصيان ، وقد عوقب هو به ، ونسب إلى العصيان بقوله : ( وعصى آدم ربه فغوى ) [ طه : 121 ] مع ما تقدم القول فيه أن يكونا من الظالمين .

والثاني : أن عدوه قد ذكره{[545]} لو كان ناسيا حين قال : ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة ) [ الأعراف : 20 ] الآية{[546]} وقال : ( وقاسمهما ) [ الأعراف : 21 ] وقال : ( فدلاهما بغرور ) [ الأعراف : 22 ] ، ولو كان نسيان الذكر لم يكونا ليغترا{[547]} بالقسم والإغواء عن ذلك ، ولا وصفا بأن{[548]} استزلهما الشيطان ونحو ذلك ، فثبت أنه كان نسيان تضييع . وذلك{[549]} كقوله : ( وكذلك اليوم تنسى ) [ طه : 126 ] ، وقوله : ( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) [ الأعراف : 51 ] ، وغير ذلك مما ذكر فيه النسيان ، ومعناه التضييع ، سمي به لما كان [ كل ]{[550]} منسي متروكا ، وترك اللازم تضييع ، أو بما ينسى به{[551]} ، ويغفل عما يحل به من نعمة{[552]} الله ، فسمي به كما وصف ذنب المؤمن بجهالة الجهلة بما يحل به لا بجهله بحقيقة فعله ، أو سمي به من حين لا يقصد بذلك عصيان الرب أو طاعة الشيطان . وإلى ذلك يصرف بعض وجوه النسيان لا حقيقته .

ومن يقول بأنه كان على النسيان فهو يخرج النسيان على [ وجهين :

أحدهما : ]{[553]} أنه لكثرة ما بينه وبين عدوه من التراجع اشتغل قلبه بوجوه الدفاع له والفكر في الأسباب التي بها نجاته وتخليص من مكائده حتى أنساه ذلك ذكر{[554]} العهد .

والسبب الذي /8-ب/ يدفع الأشياء عن الأوهام في الشاهد كثرة الاشتغال ، وإنما كان النسيان عذرا{[555]} في الأمور وسببا للعفو لأنه لا يخرج الآخذ به عن الحكمة . وذلك معلوم في الشاهد أن من أقبل على شيء ، وأخذ في تحفظه وتذكره سهل عليه ذلك ، وإذا أحب ذلك مع الاشتغال بغيره من الأمور صعب عليه ، بل الغالب في مثله الخفاء .

وجائز معاتبة آدم مع ذلك{[556]} وتسميته عصيانا بأوجه :

أحدها : أنه لم يكن امتحن بأنواع مختلفة يتعذر عليه وجه الحفظ في ذلك ، وإنما امتحن بالانتهاء عن شجرة واحدة بالإشارة إليها ، فجائز ألا يعذر في مثله . وكذلك النسيان في ما يعذر في الشاهد إنما يعذر في النوع الذي يبتلى به ، وتكثر به النوازل ؛ ألا ترى أنه يعذر بالسلام في الصلاة وترك التسمية في الذبيحة ونحو ذلك ؟ ولا يعذر في الأكل في الصلاة وفي الجماع في الحج ونحو ذلك . فمثله الأمر الذي نحن{[557]} فيه .

والثاني : أنه جائز أخذ الأخيار ومعاتبة الرسول بالأمر الخفيف اليسير الذي لا يؤخذ بمثل ذلك غيره لكثرة نعم الله عليهم وعظم منته عندهم كما أوعدوا التضاعف في العذاب على ما كان من غيره وعلى ما ذكر في أمر يونس عليه السلام من العقوبة بماء{[558]} ، لعل ذلك من عظيم خيرات غيره ، إذ فارق قومه لما عاين من المناكير فيهم ، وما{[559]} فعل مثله من أحد ما يوصف به غيره . وكذلك ما عوتب{[560]} محمد صلى الله عليه وسلم في ما خطر بباله تقريب أجلة الكفرة إشفاقا عليهم وحرصا على إسلامهم ومن تبعهم{[561]} ، على ذلك مما لعل من دونه لا يعدل شيء من خيراته بالذي عوتب به ، وبالله التوفيق .

والثالث : أنه لما عوتب بالذي يجوز ابتداء المحنة به ولمثله خلقه حين قال : ( للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) [ البقرة : 30 ] ، لكنه [ يكرمه بالذي ]{[562]} عود خلقه من تقديم إحسانه وإنعامه في الابتلاء{[563]} على الشدائد والشرور ، وإن كان له التقديم بالثاني ؛ وذلك في جملة قوله : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات ) [ الأعراف : 168 ] وقوله : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) [ الأنبياء : 35 ] ، وبالله التوفيق .

وعلى ما [ في ]{[564]} ذلك من معاتبة{[565]} غيره الزجر عن المعاصي وتعظيم خطره في القلوب إذ جوزي أبو البشر وأول الرسل منهم على ما فضله بما امتحن [ فيه ]{[566]} ملائكته بالتعلم منه والسجود بذلك القدر من الذلة ليعلم الخلق أنه ليس في أمره هوادة ولا في حكمه محاباة فيكونون أبدا على حذر من عقوبته والفزع إليه بالعصمة عما يوجب مقته وألا يكلهم{[567]} إلى أنفسهم إذ علموا بابتلاء الذي{[568]} ذكرت محله في قلوبهم بذلك القدر من الذلة ، ولا قوة إلا بالله .

والثاني{[569]} : أن يكون حفظ النهي عنه ، لكنه خطر بباله [ النهي عن وجه ]{[570]} لا يلحقه فيه وصف العصيان ، أو نسي قوله : ( فتكونا من الظالمين ) [ البقرة : 35 ] . وقد ذكرنا النهي في وقت الفعل ؛ ولكن يسمى الوصف بالفعل من [ الظلم و ]{[571]} النهي ، لعله سبق إلى وهمه غير جهة التحريم ؛ إذ يكون النهي على أوجه :

أحدها : للحرمة .

والثاني : نهي{[572]} لما فيه من الداء ، وعليه في أكله ضرر ، وهذا معروف في الشاهد بما عليه الطباع : نهي قوم عن أشياء محللة هي لهم ما يؤذي ، ويضر ، فيحتمل أن يسبق إلى وهمه ذلك لما وعد له في ذلك من عظم النفع ، تحمل{[573]} ما خوف به به ليصل إلى ما وعد على [ ما ]{[574]} سبق وجه النهي إلى ما وجه من حيث الضرر والمشقة ، ونسي قوله : ( فتكونا بين الظالمين ) [ البقرة : 35 ] ، أو ذكرا ، وعرفا أن الظلم قد يقع على الضرر كقوله : ( كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا ) [ الكهف : 33 ] لم{[575]} ينقص منه ، والنقصان في النفس ضرر .

وعلى ذلك فسر عامة أهل التفسير الظلم في القرآن أنه الضرر ؛ واسم الضرر يأخذ ضرر الداء وضرر المأثم ؛ وإن كان حقيقته وضع الشيء في غير موضعه ، ولا قوة إلا بالله .

وقد يحتمل النهي أن يخرج مخرج المنع ليكون غيره هو الذي يبدأ به ، ويخص ذلك به لا على التحريم [ نحو{[576]} الأمر بالمعروف في ما يمنع الرجل ولده عن التناول مما يريد به غيره لا على التحريم ]{[577]} . وإذا احتمل ذا ، ثم بين له عظيم ما في ذلك من البركة من غير أن عاين عدوه ليعلم أن ذلك [ صنيعه ، وجائز أن سبق{[578]} إليه أن ذلك ]{[579]} إشارة ملك أو إلهام في النفس على ما يكون لكثير من الأخبار إلا أنه من وحي عدوه ، فدعته نفسه إلى الأكل ، فيكون كالناسي والجاهل بحقيقة وجه النهي ، وإن كان تعمد أكله . ولا قوة إلا بالله .

والأصل في هذا أن فعله [ عليه السلام ]{[580]} إن كان على نسيان العهد أو على الذكر له فإن الذي أصابه عقوبة ، وإن كان بالذي يكون به المحنة ؛ فلولا أن الله [ إن ]{[581]} يعاقبه على ما فعله لم يكن ليغير عليه نعمة بعذاب أنعمها عليه . وقد قال : ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) [ الأنفال : 53 ] . وما لا يحتمل العقوبة بالتغيير لم يكن ليفعل بعد وعده بذك مع ما قد اعترفا بالظلم إذ ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 23 ] ، وقد قال الله تعالى : ( وعصى آدم ربه فغوى* [ طه : 121 ] ، وقد كان قال لهما ( فتكونا من الظالمين ) [ البقرة : 35 ] ، فكان ما بلي به وجهان :

أحدهما : أن الله ذلك لم يُزِلْْ عنهما اسم الإيمان ولا دعيا{[582]} إليه بعد لفعلهما ذلك . ثبت أنه لا كل ذنب يزيل اسم الإيمان ، وأن [ الذنوب لا يحقق فيها ]{[583]} الكذب في ما اعتقد ألا يعصي الله في شيء ، وفي ذلك فساد أهل الخوارج والمعتزلة وبيان أن قوله : ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا ) [ النساء : 14 ] ليس على كل عصيان ، ولا الوعيد بالظلم المطلق يوجه كل ظلم وكل عصيان وغواية ، بل يلزم به تقسيم{[584]} هذه الحروف على ما يليق به . ومن يريد بها الجمع في كل الآثام{[585]} خارج عن المعروف في أحكام الله في أهل المآثم .

والثاني : أنه عوقب بوجه لا يوجب{[586]} جزء منها بما يسميه المعتزلة كبيرة ، بل يزيل اسم الإيمان من نحو شرب قطرة من الخمر [ أو قذف ]{[587]} محصنة أو أخذ عشرة دراهم من مال آخر ، وكذلك فعل أولاد يعقوب . ثم لم يجترئ أحد على دعوى خروج [ من ذكرت ]{[588]} من دين الله ، لزم بطلان قولهم : إن الصغيرة لا يجوز في الحكمة التعذيب عليها ولا الكبيرة العفو عنها . وقد كان عذب آدم عليه السلام بأنواع العذاب لما لم يكن ما أظهر فعلهما على رؤوس الخلائق لكان عظيما .

ثم{[589]} اختلف في الوجه الذي بلي ؛ منهم من يقول : لما كان من صلبه من الكفرة ، وهم ليسوا بأهل الجنة . وقيل : رحمة للخلق لئلا ييأسوا ، ولا يزيل الولاية بكل ذنب . وقيل : بليا لتنبيه{[590]} الخلق بهما ألا يقوم أحد بتعاهد نفسه عما يذم إليه إذا وكل نفسه إليه ، فيكون ذلك سببا لزجر الخلق عن النظر إلى أنفسهم في شيء من الخير والفزع إليه بالعصمة عن كل شيء . وقيل : بلي بحق المحنة إذ هي ترد صاحبها بين اللذات والآلام وبين أحوال مختلفة لا يحتمل أن يصبر [ عليها ]{[591]} بحيث يأمن الزلل ، وإنما ذلك بحفظ الله ومنه لا بتدبير أحد وجهده ، وإن كان الله تعالى يوفق على قدر الجهد ، ويعصم على قدر{[592]} الرغبة إليه والاعتصام به ، ولا قوة إلا بالله .

وليس بنا حاجة إلى ذكر حكمة الزلة إذ{[593]} كانت نفسه مجبولة على حبه باعثة إلى مثله لولا نعمة الرب كما قال يوسف عليه السلام : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) [ يوسف : 53 ] الآية{[594]} ، وقال : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) [ الأنعام : 164 ] .

ثم{[595]} اختلف في ماهية الشجرة : قيل : بأنها{[596]} شجرة العنب ، وجعل للشيطان فيها نصيبا مما بلي به أبو البشر وأمهم . وقيل : [ الحنطة : فيها ]{[597]} جعل غذاء ولده ليبدل{[598]} بالراحة الكد وبالنعمة{[599]} البؤس . وقيل : شجرة العلم إذ بدت سوأتهما ، فعلما بذلك ما لم يسبق لهما في ذلك ، وفزعا إلى ما يستران به من الورق .

فالأصل أن هذا نوع ما يعلم بالخبر{[600]}من عند عالم الغيب . وليس بنا إلى تعرف حقيقته{[601]} حاجة ، وإنما علينا معرفة قدر المعصية ، فتعتصم بالله عنها ، والطاعة فنرغب{[602]} فيها ، وبالله العصمة .

والأصل فيه أن الله تعالى فرق بين دار المحنة ودار الجزاء ؛ إذ الجمع بينهما يزيل البلوى ، ويكشف الغطاء ؛ فجعل اللذيذ الذي لا راحة فيه والمؤلم الذي لا تنقيص فيه جزاء والتردد بينهما{[603]} محنة ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله{[604]} تعالى : ( فتكونا من الظالمين ) أي تصيرا /9-أنهم ، وكذلك القول في إبليس : ( وكان من الكافرين ) [ البقرة : 34 ] أي صار منهم ، ويحتمل ممن يكونون كذلك إذ{[605]} في علم الله أنهم يصيرون ممن في علم الله كذلك مع جواز القول بلا تحقيق آخر كقوله : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ المؤمنين : 14 ] لا أن ثم خالق غيره .

ثم اختلف في الوجه الذي أوصل إبليس إليه الوسوسة : فقال الحسن ( كان آدم عليه السلام في السماء ، وإبليس في الأرض ، ولكنه أوصل إليه بالسبب الذي جعل الله لذلك ) . وقال قوم : كان خاطبه في رأس حية .

وقيل : كان{[606]} تصور بغير [ الصورة التي كان عليها عند ]{[607]} قوله : ( إن هذا عدو لك ولزوجك ) [ طه : 117 ] الآية ، فاغتر به ، ولو عرفه لما اغتر به بعد [ أن ]{[608]} حذره الله عنه . والله أعلم كيف كان ذلك .

[ وعلى ذلك ]{[609]} اختلف في الوجوه التي يوسوس إلى بني آدم : منهم من يقول : يجري بين الجلد واللحم كما يجري الدم{[610]} ، فيقابل وجه بصره بقلبه ، فيقذف فيه . ومنهم من يقول : هو بحيث جعلت له قوة إيصال الخطر بباله والقذف في قلبه من الوجه الذي جعل له ، وذلك لا يعلمه البشر . ومنهم من يقول : إن النفس كأنها سيالة في الجسد دائرة في جميع الآفاق ، لولا الجسد الذي كان يحبسه لكان له الانتشار على ما يظهر{[611]} في حال النوم عند سكون جسده ، ومن ذلك سلطان فكرة الرجل [ على ]{[612]} من في أقصى بقاع الأرض حتى يصير له كالمعاين ، ففي ذلك يكون قدحه وقذفه .

ونحن نقول ، وبالله التوفيق : إنا لا نعلم حقيقة كيفية ذلك ، لكن الله تعالى جعل للحق أعلاما وكذلك للباطل ، وكل معنى يدعو إلى الباطل ، ويحجب عن الحق ، فهو عمل الشيطان ؛ يجب التعوذ منه والفزع إليه . وإن لم يعلم حقيقة كيفية ذلك ؛ قال الله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله ) [ الأعراف : 200 وفصلت : 36 ] ، وقال الله عز وجل : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ) [ الأعراف : 201 ] . وقال الحسن في قوله : ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) [ الأعراف : 20 ] . ( وقد علم آدم أن الملائكة أفضل ، وقد علم أن لا خلود يكون معه ، وقد أخبر أنه يموت ، وقد علم أنه لا يكون ملكا ، وقد خلق من طين والملائكة من نور ، ولكن يكون على فضل الملائكة ) .

( وقاسمهما ) [ الأعراف : 21 ] حلف لهما في [ وسوسته أنه يقول ذلك عن نصيحة ]{[613]} ، فتابعاه في الأكل لا على القبول منه ما ذكر ؛ إذ لو كان عن قبول [ لكان ذلك أعظم ]{[614]} من الأكل ، ولكن أكلا على الشهوة واتباع الهوى . ولو صدقاه في ذلك لكفرا ، وكان هذا أعظم من الأكل ، ولم يقل لهما ذلك فيها لأجل ذلك الشيء{[615]} ؛ وذلك كما يقول رجل لآخر في شيء يقتل عليه أو يقطع [ له ]{[616]} : لو فعلت لا يفعل{[617]} بك ذلك{[618]} ، فيقدم عليه . إنه [ يقدم ]{[619]} لشهوته لا على التصديق له في ذلك . وكذا من يذكر أحدا بمثل{[620]} امرأة بحبها وإيثارها إياه ، فيأتيها بشهوة لا بتصديق الآخر . فمثله أمر آدم في ما وسوس إليه الشيطان .

وهذا الذي يذكر الحسن يوجب أن يكون آدم كان يعلم أن ذلك من الشيطان عدوه . وذلك إقدام{[621]} على إثر ما ذكره على ما يصف أنه كان يعلم [ أنه ]{[622]} أمر فظيع{[623]} يوجب فعله على العلم بالنهي أنه لا ينال به خيرا ، ولا يصل بذلك إلى فضل ، بل [ اتبع ]{[624]} الشيطان بما هوي ، واشتهى . وهذا لو كان شهده كان فظيعا أن يدعيه على أبي البشر ومن قد فضله الله تعالى بالذي سبق ذكره ، لا لو قيل له : إنه لو لم{[625]} يكن علم من عدوه أو إلهام على ما يكون للأخيار أو كان أسمع [ عن غير الصورة التي رآها من قبل كان ]{[626]} أقرب وأحق أن يظن به من أن يذكر الذي ذكر .

ومتى يكون الإقدام [ لجهة يجز لا ]{[627]} على طمع في ذلك ، بل لا ينكر أن يكون له ، ولكن على ما بينا ، وليس من ذلك الوجه الوحشة في الدين .

ثم قد ذكر ملكين ؛ والكلام في الفضل وغير الفضل على قوله لا معنى له ؛ لأنه يجعل فعلهم جبرا{[628]} ، لا ترتفع درجته ، ولا يعلو قدره . ثم يجعل الفضل لهم بالخلقة فكيف كان يطمع في ذلك ولم يكن هو بخلقتهم ؟ ولهذا أنكر أن يكون{[629]} منهم عصيان ؛ إذ خلقوا من نور . ومن لا يعصي بالخلقة فإنه لا يحمد . ولو كان يجب الحمد [ به لوجب ]{[630]} في كل موات وكل حيوان لا يعصي بالخلقة . وذلك بعيد .

وجائز ، أن يكون آدم عليه السلام طمع أن يكونا ملكين بان يجعل على ما عليه صنيعهم من العصمة والاكتفاء بذكر الله وطاعته عن جميع الشهوات . والله قادر على أن يجعل البشر على ذلك ؛ وذلك ما يوجد فيهم من معصوم ومخذول ليعلم أن الخلقة لا توجب شيئا مما ذكر . ولا قوة إلا بالله .

ثم الأصل أن معرفة موت البشر وما عنه خلق كل شيء ، إنما هو سمعي ، ليس هو حسيا ، ولا في الجوهر دليل الفناء . ولله تعالى أن يميت من شاء [ ويُبقيَ من شاء ]{[631]} .

فقول الحسن إنه علم ذلك : ثبت بثبات الخبر عن الله تعالى ، ينتهي إليه ، أنه كان بلغه في ذلك . وكذلك أمر الملائكة وحال [ الأضداد ومحبة ]{[632]} الذكر وظهور العصمة تعرف بالمحبة والمشاهدة بمنها ، ولا قوة إلا بالله .

ثم ذكر الحسن في خلال ذلك آن آدم عليه السلام قد علم أن الملائكة لا يموتون . لا ادري ما هذا ؟ أهو عقد اعتقد ؟ أم جرى على لسانه ؟ [ لأن مثل هذا ]{[633]} لا يعلم إلا بما لا يرتاب في ذلك أنه جاء عن الله تعالى ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : ( فأزلهما الشيطان عنها ) أي دعاهما ، وزين لهما إلى{[634]} سبب الزلة والإخراج منها ، لا أن تولى هو إخراجهما وإزلالهما ، وقد ذكرنا [ أنه قد تسمى ]{[635]} الأشياء باسم أسبابها والأسباب باسم الأشياء ، وذلك ظاهر معروف في اللغة غير ممتنع تسمية الشيء باسم سببه ، والله أعلم .

وقوله : ( فأخرجهما مما كانا فيه ) من الخصب والسعة والنعم{[636]} التي أنزلهما الله تعالى فيها ، وأباح لهما التناول مما{[637]} فيه .

ثم اختلف في وسوسة الشيطان لآدم وحواء عليهما السلام فيم كان . ومن أين كان ؟ قيل : إنه كان في السماء فوسوس إليهما من رأس الحية حسدا منه لما رآهما يتقلبان في نعيم{[638]} الله ، ويتنعمان فيه ، فاشتد ذلك عليه ، وقيل : إنه كان في الدنيا ، فوسوس لهما من بعد ، والله أعلم .

ثم{[639]} اختلف في الشيطان ؛ أله سلطان على القلوب ؟ أم يوسوس في صدورهم من بعد ؟ فقال بعضهم : له سلطان على القلب على ما جاء [ في الحديث الشريف ]{[640]} : أنه " يجري في الإنسان بين الجلد واللحم مجرى الدم " [ البخاري 7171 ] .

وقيل : إنه لا سلطان له على القلوب ، ولكنه يقذف فيهم من البعد ، ويدعوهم إلى الشر بآثار ترى في الإنسان من الأحوال من حال الخير والشر ؛ وكأن تلك الأحوال ظاهرة من أثر الخير والشر . فإذا رأى ذلك فعند ذلك يوسوس ، ويدعوه إلى الشر . وعلى ذلك قوله عز وجل : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم ) [ إبراهيم : 22 ] ؛ أخبر أنه لا سلطان له علينا سوى الدعاء لنا . وهو لا يشبه . والله أعلم .

ثم{[641]} قيل في من عصى ربه : أليس قد أطاع الشيطان ؟ قيل : بلى . فإن قيل{[642]} : فإذا أطاع الشيطان ألا{[643]} كفر ؟ قيل : [ لا ]{[644]} لأنه ليس يقصد قصد طاعة الشيطان ، وإنما يكفر بقصد طاعة الشيطان ، وإن كان في عصيان الرب طاعته ، وكذلك روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه سئل عن ذلك ، فأجاب بمثل هذا الجواب .

والأصل أن الفعل الذي يبلى له ليس هو لنفسه فعل الطاعة للشيطان ليصير به مطيعا ؛ إنما يجعله طاعة القصد بأن يجعله طاعة له . وقد أزال ذلك ، وإن سر هو به ، وفرح كما{[645]} سر بزوال السرور عنهما واللذة ، وإن كان بفعل من لا يجوز وصف من فعل ذلك بطاعة الشيطان ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله : ( وقلنا اهبطوا ) قيل : الهبوط{[646]} النزول في موضع كقوله : ( اهبطوا مصرا ) [ البقرة : 61 ] أي انزلوا فيه ويحتمل الهبوط منها أنه النزول من المكان المرتفع إلى المنحدر والدون من المكان .

وقوله : ( بعضكم لبعض عدو ) ، قيل : يعني إبليس وأولاده [ وآدم وأولاده ]{[647]} بعضهم لبعض عدو ، والعداوة في ما بيننا [ وبين الحيات{[648]} عداوة طبع ، والعداوة التي بيننا ]{[649]} وبين إبليس عداوة اختيار وأمر ؛ إذ الطبع ينفر عن كل مؤذ ومضر ، وبالله التوفيق .

وقوله : ( ولكم في الأرض مستقر ) تقرون فيها كقوله : ( جعل لكم الأرض قرارا ) [ غافر : 64 ] .

وقوله : ( ومتاع إلى حين ) أي متاع لكم لانقضاء آجالكم . ويحتمل متاعا لكم لانقضاء الدنيا وانقطاعها .


[541]:في الأصل: منها إلى، في ط م: عنها لا.
[542]:- في تفسير قوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) من الآية 35.
[543]:-ساقطة من ط ع.
[544]:- أدرج في ط ع بعدها: في ما بينهما.
[545]:-من ط م، في الأصل و ط ع: ذكر
[546]:- أدرج الناسخ في ط ع تتمة الآية بدل كلمة الآية.
[547]:-في ط ع: لغيرا.
[548]:-ساقطة من ط ع.
[549]:- من ط م و ط ع، في الأصل: وكذلك.
[550]:- من ط م و ط ع،، ساقطة من الأصل.
[551]:- ساقطة من ط م.
[552]:- من ط م، في الأصل و ط ع: نقمة.
[553]:-في النسخ الثلاث: وجوه أحدها.
[554]:-من ط م، في الأصل و ط ع: عن ذكر.
[555]:-في ط م: عدوا.
[556]:-أدرج المحقق في ط ع بعد كلمة ذلك العنوان التالي: تسميته عصيانا.
[557]:من ط م و ط ع،، في الأصل: نحو
[558]:-ساقطة من ط ع
[559]:-أدرجت ما في النسخ الثلاث بعد: أحد.
[560]:- من ط م و ط ع، في الأصل: عوقب.
[561]:- في ط م: يتبعهم.
[562]:- في الأصل و ط ع: يكرمه وبالذي، في ط م: يكرمه وبالذي
[563]:- من ط م، في الأصل و ط ع: الابتداء.
[564]:- من ط م و ط ع،، ساقطة من الأصل.
[565]:- في النسخ الثلاث: مبالغة.
[566]:- من ط م.
[567]:-من ط م، في الأصل و ط ع: يكلمهم.
[568]:- في الأصل و ط ع: من الذين، في ط م: من الذي.
[569]:-الثاني من وجهي تخريج النسيان.
[570]:-من ط م.
[571]:-من ط م.
[572]:- في ط ع: منهي.
[573]:-من ط ع، في الأصل و ط م: يحتمل.
[574]:- من ط م.
[575]:- في ط م: ولم.
[576]:-في ط ع: ونحو.
[577]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[578]:- في ط م: يسبق.
[579]:- من ط م و ط ع،، ساقطة من الأصل.
[580]:-في ط م: صلى الله عليه وسلم.
[581]:- من ط م.
[582]:- من ط م، في الأصل: داعيا، في ط ع: راغبا.
[583]:- من ط م، في الأصل: الذنوب لا تحقق فيه، في ط ع: الذنب لا تحقق فيه.
[584]:- في ط ع: تفسير.
[585]:- من ط ع، في الأصل: الأيام، في ط م: الأنام.
[586]:- في ط م: يجب.
[587]:- من ط م و ط ع، في الأصل: وقذف.
[588]:- من ط م.
[589]:- أدرج المحقق في ط ع قبل كلمة ثم العبارة التالية: اختلاف في الوجه الذي بلي.
[590]:- في الأصل و ط ع: لتنبه، في ط م: لتنبنه.
[591]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[592]:- ساقطة من ط ع.
[593]:- من ط م، في الأصل و ط ع: إذا.
[594]:-أدرج الناسخ في ط ع تتمة الآية بدل كلمة الآية.
[595]:-أدرج المحقق في ط ع قبل كلمة ثم العنوان التالي: ماهية الشجرة.
[596]:- من ط م، في الأصل و ط ع: بأنه.
[597]:- من ط م، في الأصل و ط ع: حنطة فيما.
[598]:- من ط م، في الأصل و ط ع: لبدل.
[599]:- من ط م: في الأصل و ط ع: وبالنعم.
[600]:- من ط م و ط ع، في الأصل: الخير.
[601]:- من ط م و ط ع، في الأصل: حقيقة.
[602]:- من ط م و ط ع، في الأصل: فرغب.
[603]:- من ط م، في الأصل و ط ع: منها.
[604]:- هذه العبارة/ وقوله تعالى: (فتكونا)... الوسوسة أدرج بدلا منها في ط ع العنوان التالي: اختلاف في الوجه الذي أوصل إبليس إليه الوسوسة. ثم الأصل أن معرفة موت البشر وما عنه خلق كل شيء إنما هو.
[605]:- من ط م، في الأصل: إن.
[606]:- ساقطة من ط م.
[607]:- من ط م، في الأصل و ط ع: صورة كان عند.
[608]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[609]:- من ط م، وأدرج في ط ع بدلا عنها العنوان التالي: كيف كان ذلك.
[610]:- إشارة إلى الحديث الشريف: "يجري في الإنسان بين الجلد واللحم مجرى الدم" [البخاري 7171]، أنظر أيضا في ما سيرد من بيان اختلاف العلماء في الشيطان وسلطانه.
[611]:- من ط م و ط ع،، في الأصل: ظهر.
[612]:- من ط م.
[613]:- من ط م، في الأصل: وسوسة أنه يقول ذلك عن نصحه، في ط ع: وسوسته عن نصحه.
[614]:- من ط ع، في الأصل: كان ذلك أعظم، في ط م: كان أعظم.
[615]:- من ط م، في الأصل و ط ع: شيء.
[616]:- من ط م.
[617]:- من ط م: في الأصل و ط ع: تفعل.
[618]:- من ط م: في الأصل و ط ع: ولك.
[619]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[620]:- من ط م، في الأصل و ط ع: مثل.
[621]:- ساقطة من ط م.
[622]:- من ط م.
[623]:- من ط م، في الأصل و ط ع: قطع.
[624]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[625]:- ساقطة من ط م.
[626]:- في الأصل: على الصورة التي أراها من كان، في ط م: على غير الصورة التي أداها من قبل كان، في ط ع: عن الصورة التي أراها من قبل كان.
[627]:-في ط م: بجهة بخير لا.
[628]:- من ط م، في الأصل و ط ع: خيرا.
[629]:- من ط م و ط ع، في الأصل: يقول.
[630]:- من ط م، في الأصل و ط ع: ليجب، والضمير في به يعود إلى الفضل.
[631]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[632]:- من ط ع، في الأـصل: الأضداد محبة، في ط م: الأغذاء ومحبة.
[633]:- من ط ع، في الأصل: لأنه مثله لا، في ط م: لأن مثله لا.
[634]:- في ط م: أي.
[635]:- من ط م، في الأصل و ط ع: أن قد يسمي.
[636]:- في النسخ الثلاث: والنعيم.
[637]:-من ط م، في الأصل و ط ع: فيما.
[638]:- في النسخ الثلاث: نعم.
[639]:- أدرج في ط ع قبل: ثم العنوان التالي: اختلف في الشيطان.
[640]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[641]:- أدرج في ط ع قبل هذه الكلمة العنوان التالي: في من عصى ربه.
[642]:- من ط م، في الأصل و ط ع: قال
[643]:- في الأصل و ط ع: أن لا.
[644]:- من ط م.
[645]:- من ط م، في الأصل و ط ع: كلما.
[646]:- في ط م: الهبوط هو.
[647]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[648]:- من ط م و ط ع، في الأصل: الحياة.
[649]:- في ط م: وبينهم ظاهرة. وقيل: وبين الحية التي حملت إبليس حق وسوس لهما من ذوابتها. فهذا لا يعلم إلا بالسمع، إذ ليس في الكتاب ذلك غير أن العداوة بيننا.