تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

الآية 37 : وقوله تعالى : ]رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله[ أي لا تشغلهم تجارة ولا بيع . ذكر التجارة والبيع ، والبيع تجارة . ولكن كان اسم التجارة يجمع كل أنواع التقلب ، واسم البيع ، يقع على خاص . وكذلك يقال للذي يجمع أنواع التقلب تاجر ، وللذي يبيع شيئا خاصا بائع .

أخبر أنه لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، أي لا يشتغلون بالتجارة والبيع ، ولكن فرغوا أنفسهم لذكر الله وإقامة الصلاة وما ذكر .

وجائز أن يكونوا {[14087]} يتجرون ، ويبيعون ، لكن تجارتهم وبيعهم ، لا تشغلهم ، ولا تمنعهم عن ذكر الله . يكونون أبدا في ذكر الله . ثم قوله : ]عن ذكر الله( يحتمل الصلاة .

وقوله تعالى : ]وإقام الصلاة[ أي إتمام الصلاة بركوعها وسجودها وقراءتها وجميع أسبابها وشرائطها .

وجائز أن يكون قوله : ]عن ذكر الله[ الخطبة ]وإقام الصلاة[ صلاة الجمعة لأنه قال : ]وإذا رأوا تجارة[ الآية ( الجمعة : 11 ) وقال : ]إذا نودي للصلاة[ وهو الخطبة ، غير مسموع من أهل التأويل ، ولكنه محتمل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار[ وهو يوم القيامة . يخبر عن شدة هول ذلك اليوم وخوفه ، لا تثبت القلوب والأبصار فزعا منه وخوفا كقوله : ]مهطعين مقنعي رؤوسهم[ الآية ( إبراهيم : 43 ) وكقوله : ]إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين[ ( غافر : 18 ) .

وجائز أن يكون قوله : ]يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار[ يعرفون مرة ، ويجهلون تارة ، ويعتبرون يومئذ بما لم يعتبروا في الدنيا ، ويقرون بما لم يقروا .

وقال بعضهم : ]يخافون يوم تتقلب فيه القلوب[ حين تزال{[14088]} عن أماكنها من الصدور ، فتنشق{[14089]} في حلوقهم عند الحناجر ، ثم قال : ]والأبصار[ أي تقلب أبصارهم ، فيكونون رزقا ، وهو قول القائل .


[14087]:في الأصل وم: يكون.
[14088]:في الأصل وم: زالت.
[14089]:في الأصل وم: فنشقت.