تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

الآية 30 وقوله تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } ؛ قيل : تجد ثواب ما عملت من خير حاضرا لأن عمله إنما كان للثواب لا لنفس العمل ، { وما عملت من سوء تود لو أن بينهما وبينه أمدا بعيدا } ويحتمل { وما عملت من سوء } [ تجده مكتوبا ، لا ]{[3745]} يتجاوز عنه ، لأن الله جل وعلا وعد المؤمنين ، وأطمع لهم قبول حسناتهم والتجاوز عن سيئاتهم كقوله : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } [ الأحقاف : 16 ] فيجد المؤمن ثواب ما عمل من خير حاضرا ، ويتجاوز عن مساويه ، وأما الكافر فيجد عقاب ما عمل من سوء في الدنيا كقوله : { ووجدوا ما عملوا حاضرا } [ الكهف : 49 ] فلا يتجاوز عنهم ، وتبطل خيراتهم .

وقوله تعالى : { أمدا بعيدا } قيل : بعيدا من حيث لا يرى ، وقيل : بعيدا : تود : ليت أن لم تكن . وما{[3746]} من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا تود البعد عن ذنبها{[3747]} ، وأنه لم يكن . { ويحذركم الله نفسه } قد ذكرناه .

وقوله تعالى : { والله رؤوف بالعباد } إن أراد رأفة الآخرة [ فهو ]{[3748]} يعني بالمؤمنين خاصة ، وإن أراد رأفة الدنيا فهو بالكل .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : في قوله : { والله رؤوف بالعباد } فالرحمة من الله ، جل ثناؤه ، والرأفة نوعان :

أحدهما : في حق الابتداء أن خلق خلقا ركب فيهم ، ما يميزون به بين مختلف الأمور ، ويجمعون بين المؤتلف ، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة ، بل رحم ، وأمهل التوبة والرجوع إليه ، وهذه الرحمة رحمة عامة ، لا يخلو عنها عبد .

والثاني{[3749]} : رحمة في حق الجزاء من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل . فهذه لا ينالها أعداؤه لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق ، ولما يكون وضع الإحسان ، في غير أهله والإكرام لمن لا يعرف الكرم به ، ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفا وزجرا عما يختارون ، وينالها من يفرق ، واعتقد الموالاة ، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذات الدارين ، فإن كانوا يبلون المعاصي على الجهالة أو على رجاء الرحمة والعفو ، إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه وبالغلبة ، فهي رحمة خاصة ، أي هي بالمؤمنين وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودية بحق الاختيار ، وإن كانوا يغلبون على ذلك في أحوال ، والله الموفق .


[3745]:في الأصل وم: تجد مكتوبا.
[3746]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[3747]:في الأصل وم: دنبه.
[3748]:ساقطة من الأصل وم.
[3749]:فيس الأصل وم: و.