تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

الآية 8 وقوله تعالى : { أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسنا } ليس لهذا الحرف في ذا الموضع جواب . فجائز أن يكون جوابه في قوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } على التقديم له ، كأنه يقول ، والله أعلم ، أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسنا ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يُضل من يشاء ، ويهدي من يشاء .

[ ويحتمل ]{[17166]} أن يكون قوله : { أفمن زُيّن له سوء عمله } فلزمه كمن قُبّح له ، فانتهى عنه ؟ ليسا بسواء كقوله : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات } [ الأنعام : 122 ] .

ذُكر أن قوله : { أو من كان ميتا فأحييناه } نزل في عمر بن الخطاب ، وقوله : { كمن مثله في الظلمات } في أبي جهل .

فعلى ذلك الأول ، وأن يكون ما ذكرنا{[17167]} بدءا على التقديم والتأخير .

وقوله تعالى : { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء } من الضلال [ والهدى ]{[17168]} ، يضل من علم منه أنه يختار الضلال ، ويهدي من علم منه أنه يختار الهدى .

وقوله تعالى : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } هذا يحتمل [ وجهين :

أحدها ]{[17169]} : أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات إشفاقا على ما ينزل بهم بتركهم الإيمان لأن رسول الله كاد يهلك نفسه إشفاقا عليهم ، فنهاه عن ذلك{[17170]} .

والثاني : على تخفيف الحزن عليه ودفعه عنه وتسليته إياه لأنه كان يشتد به الحزن لمكان كفرهم وتكذيبهم إياه وتركهم الإيمان به ، ليس على النهي كقوله : { ولا تحزن عليهم } [ النحل : 127 ] وقد ذكرنا معناه في ما تقدم مقدار ما حفظنا فيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الله عليم بما يصنعون } هذا يخرّج على وجهين :

أحدهما : أن الله تعالى على علم بصنيعهم ، أنشأهم لا عن جهل بما يكون منهم .

والثاني : { عليم بما يصنعون } فلا تكافئهم ، ولا تشتغلنّ بشيء منهم ، ولكن فوّض ذلك إلى الله ، وأسلم إليه .


[17166]:في الأصل وم: أو.
[17167]:في الأصل وم: ذكر.
[17168]:في الأصل وم: إلى الهدى.
[17169]:في الأصل وم: وجوها أحدها.
[17170]:أدرج بعدها في الأصل: كقوله وقوله.