تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

الآية 123

وقوله تعالى : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به } أخبر عز وجل أن الأمر ليس بالأماني ، ولكن إلى الله عز وجل ، فهو ، والله أعلم ، يحتمل أن يكون بالمنزلة والقدر عند الله لأنهم قالوا : { نحن أبناء الله وأحباءه } ( المائدة : 18 ) وقالوا : { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات } ( آل عمران : 24 ) وغير ذلك . وأهل التأويل ذهبوا إلى غير هذا ، وقالوا : إن كل فريق منهم كانوا يقولون : إن ديننا خير من دينكم ، ونحن أفضل من هؤلاء ، فنزل{ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } .

وقوله تعالى : { ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا } وذلك وصف الكافر ألا يكون له ولي يتولى حفظه ، ولا نصير ينصره . ألا ترى أنه قال : { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة } ؟ ( النساء : 124 ) ذكر للذين{[6563]} يعملون الصالحات ، وهم مؤمنون ، أن يدخلوا الجنة ، فهذا أيضا يدل أن قوله عز وجل { من يعمل سوءا يجز به } أراد به الشرك .

وقال آخرون : قوله عز وجل : { من يعمل سوءا يجز به } أي {[6564]} كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر . ألا ترى أنه روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية ( أنه ){[6565]} قال : يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذا ، وكل شيء علمناه{[6566]} جزيناه ؟ قال : غفر الله لك يا أبا بكر ! ألست تحزن ؟ ألست تغضب ؟ ألست تمرض ؟ ألست يصيبك الأذى ؟ فهذا ما يجزى{[6567]} به بجزائه{[6568]} المؤمن في الدنيا والكافر في الآخرة . فإن كان التأويل هذا فقوله تعالى : { ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا } إذا لم يرجع عن كفره ، ومات عليه ، وأما إذا رجع عن ذلك ، وتاب ، ومات على الإيمان فإنه يجد وليا ونصيرا ؛ ينصره الله تعالى ، وبالله التوفيق .

وقوله تعالى : { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان ، لأنه قال : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن } ولو كان ( العمل ){[6569]} إيمانا يصير{[6570]} كأنه قال : ومن يعمل الإيمان ، وهو مؤمن ، فدل بما{[6571]} ذكرنا أنها غير الإيمان . وفيه دلالة أيضا أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة إيمان لأنه شرط فيها{[6572]} الإيمان بقوله تعالى : { وهو مؤمن } ؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة إيمان ، ولا قوة بالله .


[6563]:في الأصل وم: الذين.
[6564]:من م، في الأصل: أو.
[6565]:ساقطة من الأصل وم.
[6566]:من م، في الأصل علمناه.
[6567]:في الأصل وم: يجزون.
[6568]:في الأصل وم: بجزائها.
[6569]:ساقطة من الأصل وم.
[6570]:في الأصل وم: فيصير.
[6571]:من م، في الأصل بها.
[6572]:في الأصل وم: فيه.