وقوله تعالى : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } قيل : خافت ، أو علمت { من بعلها نشوزا } وقيل : الخوف ههنا خوف ، لا غير . فمن قال بالخوف فهو حمل على أن يظهر لها منه جفاء ، جفوها لدمامتها أو لكبرها ، ويسيء صحبتها لترضى بالفراق عنه ، وليتزوج {[6619]} غيرها ، وهو الخوف حقيقة .
وهكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6620]} قال : ( إن سودة بنت زمغة خشيت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلت يومها لعائشة رضي الله عنها فأنزل الله تعالى : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية ، ثم قال : فهذا الصلح الذي أمر الله ( به ){[6621]} ، فجعل الخوف ههنا خشية ) .
وعن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : ( هي المرء تكون عند الرجل دميمة ، ولا يحبها زوجها ( تقول له ) {[6622]} لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني ) .
وقيل : { خافت من بعلها نشوزا } أي علمت ، والعلم هو أن يكون للرجل امرأتان ؛ إحداهما كبيرة دميمة ، والأخرى شابة ، يميل قلبه إلى الشابة ، يميل قلبه إلى الشابة منهما ، ويكره صحبة الكبيرة منهما ، ويستثقل المقام معها ، وأراد فراقها ، فتقول له : لا تفارقني ، واجعل أيامي لضرتي ، أو يصالحها على أن يكون عند الشابة أكثر من عند الكبيرة . وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( هي المرأة تكون عند الرجل دميمة ، ولا يحبها زوجها ، فتقول : لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني ) . فالخوف هو ما يظهر لها من نشوزه .
قيل : تزوج أخرى بإعلام ، والعلم هو ما يظهر من ترك مضاجعته إياها وسوء صحبته معها . وعلى هذين الوجهين روي عن الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، عن بعضهم : يكون عند الرجل امرأتان : أحدهما كبيرة ، والأخرى شابة ، فيؤثر الشابة على الكبيرة ، فيجزي بينهما صلحا{[6623]} على أن يمسكها ، ولا يفارقها على الرضا منها بإبطال حقها أو بدونه ؛ وهو ما روينا عن خبر ابن عباس رضي الله عنه ، أن سودة رضي الله عنها جعلت أيامها لعائشة رضي الله عنها خشية أن يفارقها . وكذلك روي عن عمر رضي الله عنه .
وروي عن علي رضي الله عنه ( أنه أتاه رجل يستفتيه في امرأة{ خافت من بعلها نشوزا }فقال {[6624]} : هي تكون عند الرجل ، فتنبو عيناه من دمامتها أو كبرها أو فقرها أو سوء خلقها ، فيكون فراقة ، فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له ، وإن جعلت من أيامها شيئا لغيرها فلا حرج ) . دلت هذه الأحاديث التي ذكرنا على أن الرجل إذا كان له نسوة( عليه ){[6625]} أن يسوي بينهن ؛ فيقيم عند كل واحدة يوما إلا أن يصطلحن{[6626]} على غير ذلك{ والصلح خير } كما قال الله تعالى ( في الآية نفسها ){[6627]} .
بين قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } الآية ( النساء : 129 ) أن على الرجل ، وإن عدل بين نسائه في قسمة الأيام ، ألا يخلي إحداهن من الوطء ، والله أعلم ، ولا يكون وطؤه كله لغيرها ، وتكون الأخرى كالمعلقة التي ليست بأيم ولا ذات زوج . لكنها إذا رضيت بإبطال حقها أو بدون حقها فإنه لا حرج على الزوج ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا } يحتمل أن يكون رفع الحرج عن الزوج خاصة ، وإن كان مضاف إليهما ؛ إذ ليس للمرأة في ترك حقها حرج ، وكذلك قوله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت /116 –أ/ به } ( البقرة : 229 ) ليس على المرأة جناح في الافتداء لأنها تقتدي بمالها . ولها أن تملك على مالها من شاءت ، فكأنه قال عز وجل : فلا جناح عليه في أخذ ما افتدت أو في إبطال حقها ، إن رضيت .
ويحتمل أن يكون على ( ما ){[6628]} ذكر ، وهو أن لا حرج على المرأة في المقام معه ، وإن استثقل الزوج ذلك ، وكره صحبتها ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وأحضرت الأنفس الشح } عن ابن عباس رضي الله عنه ، ( أنه ){[6629]} قال : ( شحت المرأة بنصيبها من زوجها أن تدعه للأخرى ، وشح الرجل بنصيبه من الأخرى ) . وقيل : الشح الحرص ؛ وهو أن يحرص كل على حقه ، وكأن الشح والحرص واحد ، وإن كان أحدهما في المنع والآخر في الطلب لأن البخل يحمله على الحرص ، والحرص يحمله على المنع ، وكل واحد منهما يكون سبب الآخر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وإن تحسنوا وتتقوا } في أن تعطوهن أكثر من حقهن{ وتتقوا } في ألا تبخسوا من حقهن شيئا . ويحتمل : { وإن تحسنوا } في إيفاء حقهن والتسوية بينهن ، { وتتقوا } الجور والميل وتفضيل بعض على بعض . ويحتمل : { وإن تحسنوا } في اتباع ما أمركم الله من طاعته { وتتقوا } عما نهاكم من معاصيه .
وقوله تعالى : { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } على الترغيب والوعيد . وقد ذكرنا معناه في غير موضع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.