تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

الآية 128

وقوله تعالى : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } قيل : خافت ، أو علمت { من بعلها نشوزا } وقيل : الخوف ههنا خوف ، لا غير . فمن قال بالخوف فهو حمل على أن يظهر لها منه جفاء ، جفوها لدمامتها أو لكبرها ، ويسيء صحبتها لترضى بالفراق عنه ، وليتزوج {[6619]} غيرها ، وهو الخوف حقيقة .

وهكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6620]} قال : ( إن سودة بنت زمغة خشيت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلت يومها لعائشة رضي الله عنها فأنزل الله تعالى : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية ، ثم قال : فهذا الصلح الذي أمر الله ( به ){[6621]} ، فجعل الخوف ههنا خشية ) .

وعن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : ( هي المرء تكون عند الرجل دميمة ، ولا يحبها زوجها ( تقول له ) {[6622]} لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني ) .

وقيل : { خافت من بعلها نشوزا } أي علمت ، والعلم هو أن يكون للرجل امرأتان ؛ إحداهما كبيرة دميمة ، والأخرى شابة ، يميل قلبه إلى الشابة ، يميل قلبه إلى الشابة منهما ، ويكره صحبة الكبيرة منهما ، ويستثقل المقام معها ، وأراد فراقها ، فتقول له : لا تفارقني ، واجعل أيامي لضرتي ، أو يصالحها على أن يكون عند الشابة أكثر من عند الكبيرة . وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( هي المرأة تكون عند الرجل دميمة ، ولا يحبها زوجها ، فتقول : لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني ) . فالخوف هو ما يظهر لها من نشوزه .

قيل : تزوج أخرى بإعلام ، والعلم هو ما يظهر من ترك مضاجعته إياها وسوء صحبته معها . وعلى هذين الوجهين روي عن الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، عن بعضهم : يكون عند الرجل امرأتان : أحدهما كبيرة ، والأخرى شابة ، فيؤثر الشابة على الكبيرة ، فيجزي بينهما صلحا{[6623]} على أن يمسكها ، ولا يفارقها على الرضا منها بإبطال حقها أو بدونه ؛ وهو ما روينا عن خبر ابن عباس رضي الله عنه ، أن سودة رضي الله عنها جعلت أيامها لعائشة رضي الله عنها خشية أن يفارقها . وكذلك روي عن عمر رضي الله عنه .

وروي عن علي رضي الله عنه ( أنه أتاه رجل يستفتيه في امرأة{ خافت من بعلها نشوزا }فقال {[6624]} : هي تكون عند الرجل ، فتنبو عيناه من دمامتها أو كبرها أو فقرها أو سوء خلقها ، فيكون فراقة ، فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له ، وإن جعلت من أيامها شيئا لغيرها فلا حرج ) . دلت هذه الأحاديث التي ذكرنا على أن الرجل إذا كان له نسوة( عليه ){[6625]} أن يسوي بينهن ؛ فيقيم عند كل واحدة يوما إلا أن يصطلحن{[6626]} على غير ذلك{ والصلح خير } كما قال الله تعالى ( في الآية نفسها ){[6627]} .

بين قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } الآية ( النساء : 129 ) أن على الرجل ، وإن عدل بين نسائه في قسمة الأيام ، ألا يخلي إحداهن من الوطء ، والله أعلم ، ولا يكون وطؤه كله لغيرها ، وتكون الأخرى كالمعلقة التي ليست بأيم ولا ذات زوج . لكنها إذا رضيت بإبطال حقها أو بدون حقها فإنه لا حرج على الزوج ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا } يحتمل أن يكون رفع الحرج عن الزوج خاصة ، وإن كان مضاف إليهما ؛ إذ ليس للمرأة في ترك حقها حرج ، وكذلك قوله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت /116 –أ/ به } ( البقرة : 229 ) ليس على المرأة جناح في الافتداء لأنها تقتدي بمالها . ولها أن تملك على مالها من شاءت ، فكأنه قال عز وجل : فلا جناح عليه في أخذ ما افتدت أو في إبطال حقها ، إن رضيت .

ويحتمل أن يكون على ( ما ){[6628]} ذكر ، وهو أن لا حرج على المرأة في المقام معه ، وإن استثقل الزوج ذلك ، وكره صحبتها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأحضرت الأنفس الشح } عن ابن عباس رضي الله عنه ، ( أنه ){[6629]} قال : ( شحت المرأة بنصيبها من زوجها أن تدعه للأخرى ، وشح الرجل بنصيبه من الأخرى ) . وقيل : الشح الحرص ؛ وهو أن يحرص كل على حقه ، وكأن الشح والحرص واحد ، وإن كان أحدهما في المنع والآخر في الطلب لأن البخل يحمله على الحرص ، والحرص يحمله على المنع ، وكل واحد منهما يكون سبب الآخر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وإن تحسنوا وتتقوا } في أن تعطوهن أكثر من حقهن{ وتتقوا } في ألا تبخسوا من حقهن شيئا . ويحتمل : { وإن تحسنوا } في إيفاء حقهن والتسوية بينهن ، { وتتقوا } الجور والميل وتفضيل بعض على بعض . ويحتمل : { وإن تحسنوا } في اتباع ما أمركم الله من طاعته { وتتقوا } عما نهاكم من معاصيه .

وقوله تعالى : { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } على الترغيب والوعيد . وقد ذكرنا معناه في غير موضع .


[6619]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[6620]:ساقطة من الأصل وم.
[6621]:ساقطة من الأصل وم.
[6622]:ساقطة من الأصل وم.
[6623]:في الأصل وم: صلح.
[6624]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[6625]:ساقطة من الأصل وم.
[6626]:في الأصل وم: يصطلحها.
[6627]:ساقطة من الأصل وم.
[6628]:من م، ساقطة من الأصل.
[6629]:ساقطة من الأصل وم.