تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِي لَا تُؤۡتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرۡغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلۡوِلۡدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلۡيَتَٰمَىٰ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيمٗا} (127)

الآية 127

وقوله تعالى : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } الآية . ذكر الاستفتاء في السناء ، وليس فيه بيان عما وقع به السؤال ؛ إذ قد يجوز أن يكون في الجواب بيان المراد في السؤال نحو قوله تعالى : { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } ( البقرة : 222 ) دل الأمر باعتزال عن النساء في المحيض ، وعلى أن السؤال عن المحيض إنما كان في الاعتزال ، وإن لم يكن في السؤال بيان المراد . وكذلك قوله تعالى : { ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم } ( البقرة : 220 ) على أن السؤال إنما كان عن مخالطة اليتامى ، وقوله تعالى : { يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } ( البقرة : 219 ) على أن السؤال عن الخمر والميسر ما ذكر في الجواب من الإثم ، وإن لم يكن في السؤال بيان ذلك .

ثم قوله تعالى : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } ليس في السؤال ولا في الجواب بيان ما وقه به السؤال في أمورهن جميعا في الميراث وغير ذلك من الحقوق . ثم ذكر واحدا فواحدا كقوله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك } ( النساء : 7 ) وقوله تعالى : { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } الآية ( النساء : 32 ) هذا في الميراث .

وأما في الحقوق فقال الله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } ( البقرة : 288 ) ويحتمل غيرها من الحقوق سوى حقوق النكاح ، فترك البيان في الجواب لما ذكر واحدا فواحدا في غيرها من الآي ؛ إذ الجواب خرج مخرج العدة أنه يفعل بقوله عز وجل{ يفتيكم } وقد فعل هذا ، والله أعلم .

ويحتمل غير هذا ، وهو أن يترك البيان في السؤال والجواب لنوازل يعرفها أهلها لم يحتج إلى بيان ما وقع به السؤال لمعرفة أهلها به . ويحتمل ما قال أهل التأويل : وهو أنهم كانوا لا يورثون {[6613]} النساء ولا الصغار من الأولاد ، وإنما كانوا يورثون المقاتلة من الرجال والذين يحرزون الغنائم . فلما بين الله عز وجل للنساء والصغار نصيبا{[6614]} في الأموال ، وفرض لهم حقها ، سألوا عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله تعالى : { ويستفتونك في الناس قل الله يفتيك

فيهن } . وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه وذكرت القصة هكذا ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن يتامى النساء . ألا ترى أنه قال عز وجل : { وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن } الآية ؟ قيل كانت اليتيمة في حجر الرجل ذات مال يرغب عن أن يتزوجها لدمامتها ، ويمنعها عن الأزواج رغبة في مالها . وهكذا روي عن عائشة رضي الله عنه ، وعلى ذلك يخرج قوله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية ( النساء : 3 ) .

وقوله تعالى : { والمستضعفين من الولدان } هذا والله أعلم ، كأنه معطوف على قوله{ ويستفتونك } على ما ذكرنا من الميراث والحقوق { وأن تقوموا لليتامى بالقسط } في إيفاء حقوقهم وأداء مالهم عليك { وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما } يجزيكم{[6615]} به من الخير ، والله أعلم .

وعن الحسن في قوله تعالى : { وترغبونه أن تنكحوهن } أي ترغبون عن نكاحهن . وعن ابن سيرين : يرغب عن {[6616]} نكاحها ، لدمامتها ، ولا يزوجها{[6617]} من غيره رغبة في مالها . وقول ابن سيرين { وترغبون } : يرغب عن نكاحها رغبة في مالها . وعلى ذلك يخرج قوله تعالى : { وأن تقوموا لليتامى بالقسط } الآية وقوله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } الآية ( النساء : 3 ) .

وقوله تعالى : { وترغبون أن تنكحوهن } دلالة أن للولي أن يزوج اليتيمة الصغيرة لأنه لو لم يكن أن يتزوجها لم يكن لهذا العتاب على ترك( تزويجها من غيره ){[6618]} معنى . فإن قيل : اسم اليتم يقع على الصغيرة والكبيرة جميعا فلعل المراد من اليتيمة الكبيرة ههنا ، قيل : كذلك ، غير أن الغالب يقع على الصغار منهن ، والله أعلم . وفيه دلالة أن النكاح قد يقوم بالواحد لأنه قال عز وجل{ وترغبون أن تنكحوهن } فلو لم يكن له أن يتزوجها لم يكن لهذا العتاب معنى ، دل أن له ينكح .


[6613]:في الأصل وم: يرثون.
[6614]:في الأصل وم: نصيب.
[6615]:في الأصل وم: فيجزيكم.
[6616]:في الأصل وم: في.
[6617]:في الأصل وم: يزوج.
[6618]:في الأصل: تزوجهن من غيرهن، في م: تزويجهن من غيرهن.