تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

وقوله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } الآية . قال بعض أهل التأويل : قوله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } هو صلة قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } [ الآية : 51 ] وكذلك قوله تعالى : { لا تتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء } [ الآية : 57 ] هو صلة ما تقدم ذكره . نهى المؤمنين أن يتخذوا { الذين أوتوا الكتاب } والذين لم يؤتوا الكتاب أولياء في غير آية من القرآن وأخبر أن الله ورسوله هو ولي الذين آمنوا ، والمؤمنين أيضا بعضهم أولياء بعض بقوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } [ التوبة : 71 ] . فإذا كان الله عز وجل { ورسوله والذين آمنوا } أولياء لمن آمن لم ينبغ أن [ يتخذ المؤمنون ] الكفار أولياء . وذكر في بعض القصة أن عبد الله بن سلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل إسلامنا ، وحلفوا ألا يكلمونا ، ولا يخالطونا في شيء ، ومنازلهم فيهم ، وإنا لا نجد متحدثا دون هذا المسجد ، فنزلت الآية ، فقالوا : قد رضينا بالله ورسوله والمؤمنين أولياء . ثم اختلف في نزولها . قال بعضهم : نزلت في شأن علي رضي الله عنه تصدق بخاتمه . وهو في الركوع . ويقولون : «خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بمسكين ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم [ فقال : هل أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم يا رسول الله . قال النبي صلى الله عليه وسلم ماذا ؟ قال : خاتم فضة . قال من أعطاك ؟ قال ذلك الرجل القائم ، يعني عليا . قال النبي صلى الله عليه وسلم على أي حال أعطاك ؟ قال : أعطانيه ، وهو راكع . فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له وأثنى عليه ] » [ ابن الجوزي في زاد المسير 2/292 ] .

فاحتج الروافض بهذه الآية على تفضيل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإثبات الخلافة له دون غيره . ويقولون : نزلت في شأنه رضي الله عنه لما روي عن أبي جعفر رضي الله عنه [ أنه ] قال : تصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه بخاتمه وهو راكع ، فنزل [ قوله تعالى ] : { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [ فيقال لهم : هبوا ] أن الآية نزلت في شأنه ، وليس فيها دلالة إثبات الخلافة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنا قد ذكرنا في الآية الأولى ما يدل على إثبات الإمامة له في الوقت الذي كان هو إماما ، ونحن لا نجعل لعلي ، كرم الله وجهه ، الخلافة له في الوقت الذي لم ير لنفسه الخلافة لأنه روي عنه أنه قال : إن أبا بكر هو خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كلام نحو هذا .

وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لو وليتم أبا بكر لوجدتموه قويا في دينه ضعيفا في بدنه ، ولو وليتم عمر لوجدتموه قويا في دينه وبدنه ، ولو وليتم عليا لوجدتموه هاديا مهديا مرشدا » [ أحمد109 : 1 ] فنقول نحن على ما كان من علي وسائر الصحابة رضي الله عنهم من تسليم الأموال إلى أبي بكر وتفويضهم إليه من غير منازعة ظهرت عن علي ، كرم الله وجهه ، في ذلك : لو كان الحق له في ذلك الوقت لظهرت منه المنازعة على ما ظهرت في الوقت الذي كان له ، فقالوا : لأن عليا رضي الله عنه لم يكن له أنصار ، وفي الوقت التي ظهرت المنازعة منه والطلب كان له أنصار . قيل : لا يحتمل أن يكون الحق له فيها ، ثم لا يطلب لما لم يكن له أنصار . ألا ترى أن أبا بكر رضي الله عنه مع ضعفه في بدنه ، خرج وحده لحرب أهل الردة حتى لما رأوه خرج وحده حينئذ تبعوه ؟ فأبو بكر لم يترك الحق لعدم الأنصار مع ضعفه في بدنه . فعلي رضي الله عنه مع شدته وقوته وفضل علمه بأمر الحرب حتى لم يبارز أحد من الأعداء إلا غلبه ، وأهلكه . فكيف توهمتم فيه ترك طلب الحق لفقد الأنصار له والأعوان في ذلك ؟ هذا لعمري لا يتوهم في أضعف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا أن يتوهم في علي رضي الله عنه فدل ترك طلب ذلك منه على أنه ترك لما رأى الحق [ ليس ] له ، والله أعلم .

واحتجوا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أن لا نبي بعدي » [ مسلم : 2404 ] وهارون كان خليفة [ موسى ، وما ] فكرتم أيضا أن عليا رضي الله عنه كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل : لهذا جوابان :

أحدهما : أن قوله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى » يحتمل أن يكون في الأخوة التي آخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس إثبات الأخوة إثبات الخلافة له .

والثاني : إن كانت له الخلافة في الوقت الذي كان هو ، وليس في الخبر جعل الخلافة له في الأوقات كلها . وهكذا جواب ما روي عنه : «من كنت مولاه فعلي مولاه » [ الترمذي : 3713 ] والله أعلم .

ثم إن الحديث الذي روي عن أبي جعفر رضي الله عنه صحيحا ففي الآية معنيان :

أحدهما : فضيلة علي ، كرم الله وجهه ، وقد كان كثير الفضائل مستكملا خصال الخير .

والآخر : أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها .

وقد روي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم /132-ب/ أنه خلع نعله في الصلاة وأنه لمس لحيته وأنه أشار بيده وغير ذلك من العمل اليسير فعله في الصلاة . فيقاس كل عمل يسير على ما دل عليه الخبر على جواز الصلاة .

وفيه وجه آخر هو أن صدقة التطوع تسمى زكاة لأن صدقة علي رضي الله عنه بالخاتم لم تكن صدقة مفروضة ، بل كانت تطوعا ، فسماها الله زكاة ، وإن كانت تطوعا . ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } ؟ وظاهر الآية في جملة المؤمنين ليس علي رضي الله عنه أولى بها من غيره . فإن [ كانت فيه نزلت ] فهو ما ذكرنا ، والله أعلم .