تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرٖ مِّنۡ عِندِهِۦ فَيُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِينَ} (52)

وقوله تعالى : { فترى الذين في قلوبهم مرض } هم المنافقون كقوله تعالى : { أم حسب الذين في قلوبهم مرض } إلى قوله تعالى : { ولتعرفنهم في لحن القول } [ محمد : 29-30 ] وهو وصف المنافقين { يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } كانوا يظهرون الموافقة للمسلمين خوفا منهم ، وفي السر مع الكفرة لأنهم أهل ريب وشك ، ولا دين لهم ، يميلون إلى من رأوا السعة معهم والأمن ، وكانوا على شك من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وريب { نخشى أن تصيبنا دائرة } لعل محمدا لا ينصر ، ولا يتم أمره ، فيسرون في أنفسهم الموافقة للكفر والغش للإسلام وأهله ، ويظهرون الموافقة للمؤمنين لما كانوا يستمعون [ إلى ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النصر والظفر ، للمؤمنين ، لكن ذلك لا يتحقق عندهم ، وكانوا كما قال الله تعالى : { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } الآية [ النساء : 143 ] وكانوا ينتظرون النصر والظفر ، فيميلون إلى حيث كان النصر والظفر ، فيقولون للمؤمنين إن كان الظفر لهم : { ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين } [ النساء : 141 ] .

وقوله تعالى : { فعسى الله أن يأتي بالفتح } أي بالنصر نصر محمد صلى الله عليه وسلم الظفر له على أعدائه وفتح البلدان والأمصار وإظهار دينه دين الإسلام على ما روي [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] : «نصرت بالرعب مسيرة شهرين » [ الطبراني في الكبير : 11056 ] وعلى ما فتح له البلدان كلها .

وقوله تعالى : { أو أمر من عبده } قيل : عذاب أولئك الكفرة وهلاكهم في الدنيا { فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين } عند العذاب والهلاك ، أو يندمون في الآخرة لما أصابهم من العذاب بما أسروا في أنفسهم في الدنيا من المودة لهم والعداوة للمؤمنين ، والله أعلم .

وفي قوله : { يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا يحتمل أن يقولوا { نخشى أن تصيبنا دائرة } من حيث يسمع أهل الإسلام ذلك منهم . دل ذلك لهم أنه إنما عرف ذلك بالله [ وذلك ما ] أخبر من الوعد بالنصر له و الظفر ، ثم كان على ما أخبر ووعد ، دل أنه أخبر عن الله تعالى .