تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر [ { اقتربت الساعة } هي ]{[1]} مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

الآية 1 قوله تعالى : { اقتربت الساعة وانشقّ القمر } قال بعضهم : أي اقتربت الساعة ، واقترب انشقاق القمر ، وقيل : على التقديم والتأخير : اقتربت الساعة ، وإن يروا آية يُعرضوا ، وإن كان انشقاق القمر .

فعلى هذين التأويلين لم يكن انشقاق القمر بعد ، ولكن يكون في المستقبل وعند قيام الساعة ، وهو قول أبي بكر الأصمّ ، معنى قوله : { وانشق القمر } أي سينشقّ القمر عند الساعة ؛ إذ لو كان قد انشق في زمن النبي صلى الله عليه لما خفِيَ على أهل الآفاق ، ولو كان ظاهرا عندهم لتواتر القول{[20144]} به ، إذ هو أمر عجيب ، والطباع جُبِلت على نشر العجائب [ وأجمع ]{[20145]} عامة أهل التأويل على أن القمر قد انشقّ ، فكان ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم .

ورُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنىً ، فانشق القمر ، فذهبت فرقة منه وراء الجبل ، فقال عليه السلام اشهدوا ، اشهدوا ورُوي عن غيره عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك وحُذيفة وجبير بن مُطعَم في جماعة من الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، أنهم رأوا انشقاق القمر .

وقوله أبي بكر لو كان لم يخْفَ ، وظَهَر ، فيقال له : قد ظهر ، فإنه رُوي عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وتواتر الحديث عن الخاص والعام ، وفشا الأمر بينهم حتى قلّ من يخفى عليه سماع هذا الحديث .

على أنه قد يُطلق ظاهر الكتاب ، وإنما يكلّف حفظ ما لم ينطق به الكتاب والعمل بحقيقة اللفظ واجب ؛ وقال بعضهم : يجوز أن يستُره الله تعالى عن أهل الآفاق بغَيم ، ويشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور بضرب تدبير ولُطف منه لئلا يدّعيه بعض الملتبسين في الآفاق لنفسه ، ويدّعي{[20146]} الرسالة كاذبا بناءً على دعواه أنه فعل ذلك ، فيحتمل أنه أخفاه{[20147]} عن أهل الآفاق إلا في حق من تظهر المعجزة عليهم من الحاضرين ، والكفرة يكتمونه ، والصحابة الذين رأوا قد نقلوه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { اقتربت الساعة } كأنه يقول : اقتربت الساعة التي يُجزَون فيها ، أو الساعة التي يُحاسَبون فيها .

فإن قيل : أليس رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين وأشار إلى السبّابة والوسطى ) [ البخاري : 6503 ] وقد قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تقُم الساعة بعد ؟

قيل : يحتمل أن مراده صلى الله عليه وسلم أنه ختم النبوّة والرسالة ، وتبقى أحكامه وشريعته إلى وقت قيام الساعة ، وبقاء شريعته كبقائه ، فصار كأنه قال : شريعتي والساعة كهاتين .

ويحتمل أنه لما كان به ختم النبوّة والشريعة صار بعثُه ومجيئُه عليه السلام علامة للساعة وآية لها ، وهو كقوله تعالى : { وإنه لعلمٌ للساعة فلا تمترُنّ بها } [ الزخرف : 61 ] على تأويل من جعل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علَما وآية للساعة ، والله أعلم .


[1]:- في ط ع: سمح.
[20144]:في الأصل وم: النقل.
[20145]:في الأصل وم: و.
[20146]:في الأصل وم: وادعى.
[20147]:في الأصل وم: أخفى.