تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ} (36)

الآية 36 وقوله تعالى : { ولا طعام إلا من غسلين } كقوله تعالى في موضع آخر : { ليس لهم طعام إلا من ضريع } [ الغاشية : 6 ] وقوله تعالى في موضع آخر : { ثم إنكم أيها الضالون المكذبون } { لآكلون من شجر من زقوم }[ الواقعة : 51و 52 ] والزقوم غير الضريع .

فهذا ، والله أعلم ، أن في جهنم دركات ، فأهل دركة منها ، لا يجدون غير الغسلين ، وأهل دركة منها ، طعامهم الزقوم ، ليس لهم غيره ، وإلا لو لم يحمل الأمر على [ هذا ] {[21960]} لوجب ما ذكرناه اختلافا ، فيخرج أن يكون من عند الله بقوله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } [ النساء 82 ] .

ثم يجوز أن يكون قدر كل أهل دركة ما توجبه الحكمة أن يكون طعامهم . فعلى ما كانوا يفتخرون في هذه الدنيا بالأطعمة على من دونهم ، ويهينون من لم يكن عنده ذلك الطعام ، جعل الله تعالى لهم من ذلك الوجه طعاما في الجحيم ، يهانون به .

وقال الحسن : إن القرآن كله كسورة واحدة ، والسورة كأنها آية واحدة ، فكأنه جمع بين هذه الأشياء كلها في آية واحدة ، فليس لهم طعام إلا من غسلين ، وليس لهم طعام إلا من ضريع ومن زقوم . وإذا حمل على ما ذكر ارتفع توهم التناقض ، والله اعلم .

وقوله تعالى : { إلا من غسلين } جائز أن يكون هذا {[21961]}اسما لشيء من الأشياء التي يعذب بها أهل النار ، لم يطلع الله تعالى الخلق على علم ذلك ومعرفته ، وقد ذكر أسامي في الآخرة ، ليس للخلق بمعرفتها عهد .

ألا ترى أن الزقوم ليس باسم لشيء يستقبح ، ويستفظع في الدنيا ، ثم جعله الله تعالى اسما لشيء المستبشع الكريه في الآخرة ، وقال { عينا فيها تسمى سلسبيلا } [ الإنسان : 18 ] والسلسبيل غير معروف في ما بين أهل اللسان ؟ .

وقال بعضهم : الغسلين ما يسيل من جلود أهل النار إذا عذبوا ، وذلك هم الصديد والقيح .

وجائز أن يكون إذا اشتد حرهم استغاثوا إلى الله تعالى ، وطلبوا منه يرجون أن يرفع عنهم الحر ، فيصب عليهم ما يزيد في عذابهم ، فيسمى ما يزول عنهم غسلينا ، والله أعلم .


[21960]:في الصل وم: وقال.
[21961]:في الأصل وم: هذه