الآية 3 : وقوله تعالى : { وأنه تعالى ربنا } اختلف في تأويل الجد : فمنهم من يقول بأن هذه الكلمة يتكلم بها في من يظفر بكل ما يريده ، فيوصف بأنه ذو جد . فجائز أن يكونوا أرادوا بهذا أن ربنا ، هو الظافر بكل ما يريده ، لا يستقيله خلافه ، ولا تمسه حاجة .
وعلى هذا التأويل قوله[ صلى الله عليه وسلم ]{[22256]} : ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) [ البخاري : 844 ] أي من كان له الجد في الدنيا ، فإذا كان في تقدير الله تعالى خلاف ذلك ، لم يغنه ذلك من عذاب الله شيئا ، وإن كان هذا ، هو المراد ، فمعناه أن من هذا وصفه يتعالى عن أن يكون له شريك ، ويحتاج إلى صاحبة أو إلى اتخاذ ولد ، لأن هذه الأشياء كلها أمارات الحاجة . ومن ظفر بكل ما يريده لم تقع[ له ]{[22257]} حاجة .
وجائز أن يكون الجد صلة ، ومعناه : تعالى ربنا . وجائز أن يكون الجد عبارة عن العظمة والرفعة ؛ يقال : فلان جد في قومه إذا عظم ، وشرف فيهم .
وقال الحسن{ تعالى جد ربنا } أي غنى ربنا .
ألا ترى كيف ذكر الله تعالى عندما نزه نفسه عن اتخاذ الأولاد بقوله : { قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني }[ يونس : 68 ] وقد ذكر اتخاذ الولد ههنا على إثر قوله عز وجل : { جد ربنا } . ومنهم من يقول : تأويله : ملك ربنا . وجائز أن يكون أريد به قوة ربنا ، فتعالى ربنا عن كل ما نسب إليه ، كان فيه أي{[22258]} فعل للرزالة والتسفل .
ثم الحق ألا نتكلف{[22259]} تفسير قوله : { جد ربنا } ههنا لأنه حكاية عن مقالة الجن . فمراد هذه الكلمة إنما يعرف بأخبار الجن .
ثم الشرك في ما جرى به الكتاب على أوجه أربعة :
مرة على العبادة بقوله عز وجل : { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } [ بالكهف : 110 ] وشرك في الخلق بقوله عز وجل : { أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه }[ الرعد : 16 ] وشرك في الحكم بقوله تعالى : { ولا يشرك في حكمه أحدا }[ الكهف : 26 ] وشرك في الملك بقوله : { ولم يكن له شريك في الملك }[ الإسراء : 111و . . ] .
فثبت أن الشرك يقع مرة في العبادة ومرة في العباد ومرة في الملك ومرة في الحكم .
فهم بقولهم : { ولن نشرك بربنا أحدا }تبرؤوا من الشرك في هذه الأوجه الأربعة .
ثم إذا كان الجد عبارة عن الذي يظفر بكل ما يريده ، ففيه ما ينقض على المعتزلة قولهم ، لأنهم يزعمون أن الله تعالى أراد من كل كافر الإيمان . فإذا لم يؤمنوا فهو غير ظافر بما يريد على قولهم ، ويدخل عليهم النقض من وجه آخر ، وهو أنا قد بينا أن الشرك قد يقع مرة في الخلق ، وهم ينفون خلق الأفعال عن الله تعالى . وإذا نفوا ذلك فقد جعلوا له في الخلق شركاء ، وقد أخبر عز وجل أنه هو المتفرد بخلق الخلائق .
فثبت أن الأفعال من حيث الخلق والإنشاء من الله تعالى ، ومن جهة الكسب والفعل للخلق . فمن الوجه الذي يضاف إلى الله تعالى لا يجوز أن يضاف من ذلك الوجه إلى الخلق عندنا . فلا يقع في الخلق تشابه ، لأنه لا يتحقق من العباد الفعل من الوجه[ الذي ]{[22260]} تحقق من الله تعالى .
[ ألا ترى أنه يضاف الملك إلى الله تعالى ]{[22261]} وإلى الخلق ؟ ثم لا يقع فيه إشراك لأنه من الوجه الذي يضاف إلى الله تعالى على جهة التحقيق .
فكذلك إضافة الأفعال إلى الله تعالى وإلى الخلق ، لا يجب الشرك لاختلاف الجهتين ، والله الموفق .
وقوله تعالى : { ما اتخذ صاحبة ولا ولدا } لأن اتخاذ الصاحبة من الخلق لغلبة الشهوة ، وهو منشئ الشهوات ، فلا يجوز أن يغلبه ما هو خلقه ، فيبعثه ذلك على اتخاذ الصاحبة .
وبهذا نرد على من زعم أن الملائكة بنات الله ، والبنات تحدث من الصاحبة ، وهو متعال ، لم يتخذ صاحبة ، فأنى يكون له بنات ؟ .
وقوله تعالى : { ولا ولدا } فالأصل أن الأولاد يرغب فيهم المرء لإحدى خصال :
إما لما يناله من الوحشة ، فيطلب الولد ليستأنس بهم ، أو يرغب فيهم لما حل به{[22262]} من الضعف ، فيريد أن يستنصرهم ، أو لما يخاف زوال ملكه ، فيطلب الولد ليأمن من زواله ، وجل الله سبحانه وتعالى عن أن تلحقه وحشة أو يصيبه ضعف ، أو يخاف زوال الملك .
فإذا كانت الطرق التي بها يرغب في اكتساب الأولاد منقطعة في حقه لزم تنزيهه عن اتخاذ الأولاد . ولهذا[ في ]{[22263]} ما ذكر عندما يشتبه الملاحدة في اتخاذ الأولاد : غناه بقوله : { سبحانه هو الغني }[ يونس : 68 ] أي غني عن كل الوجوه التي تتوجه إلى اتخاذ الأولاد ، وبالله التوفيق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.