تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإنسان [ وهي مكية ]{[1]}

الآية 1 : قوله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا }ف : { هل } ، و{ من } ، و{ لعل } : من الله تعالى واجب ، وحقه أن ينظر أن لو كان مثل هذا الكلام من مستفهم ما الذي كان يقتضي من الجواب ؟ فإذا قال الإنسان لآخر : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا }[ الأعراف : 37و . . . ] فجوابه أن يقول : لا أحد أظلم منه ، وإذا قال لآخر : { وهل أتاك حديث }[ طه : 9و . . . ] فحق المجيب أن يقول ، إن كان قد أتاه حديث فلان : فقد أتاني ، وإن كان لم يأته فحقه أن يسأله : كيف كان حديثه ليعرفه ؟ فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاه خبر الإنسان بمعنى قوله{ هل أتاك على الإنسان }أي قد أتى على الإنسان . وإن لم يكن أتاه فحقه أن يسأله حتى يبين له . وقيل : الإنسان آدم عليه السلام .

ثم لقائل أن يقول : كيف{[22848]} قال : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا } فهو إن لم يكن شيئا في ذلك الوقت ، لم يكن إنسانا ؟ وإذا لم يكن إنسانا لم يأت عليه حين من الدهر ، وهو إنسان ؟ .

وإن كان في ذلك الوقت مخلوقا فقد صار مذكورا ، وإذا صار مذكورا فقد أتى عليه حين من الدهر ، وهو مذكور ، فما معناه ؟ قيل : فيه أوجه :

أحدها : أن يكون قوله عز وجل : { هل أتى على الإنسان } أي على ما منه الإنسان ، وهو الأصل الذي خلق منه آدم عليه السلام وهو التراب ، فقال : { لم يكن شيئا مذكورا } على الاستصغار لذلك الأصل ، إذ التراب لا يذكر في الأشياء المذكورة . وإلى هذا يذهب أبو بكر الأصم .

والوجه الثاني : قيل : قد أتى على الخلق حين من الدهر لم يكن الإنسان فيه شيئا مذكورا في تلك الخلائق .

والوجه الثالث : قد أتى عليه حين من الدهر ، ولم يكن مذكورا في الممتحنين ، وهذا في كل إنسان ، لأنه ما لم يبلغ لم يجز عليه الخطاب ، ولم يكن مذكورا في الممتحنين .

قال الله تعالى : خلق الخلائق ليعبدوه بقوله : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }[ الذاريات : 56 ] وقوله : { ليعبدون } إذا صاروا من أهل المحنة . فإلى أن يبلغ قد أتى عليه حين من الدهر لم يكن مذكورا في جملة من خلقوا للعبادة ، والله أعلم .


[1]:- في ط ع: سمح.
[22848]:أدرج قبلها في الأصل و م: أن.